حسن البطل
"لعلّ انهياراً يحمي انهياري من الانهيار الأخير" محمود درويش.
***
كانت للانقلابي أبو خالد العملة نظرية فيزيائية قوامها: فك وتركيب منظمة التحرير/ يعني اصطفافاً جديداً للمنظمة.
كانت للبروفيسور إبراهيم أبو لغد، قبل الانتفاضة الأولى و"أوسلو"، مخاوفه من أن "يتشعّب الشعب الفلسطيني شعوباً".
كانت للداهية هنري كيسنجر نظرية إبّان حرب أميركا في فيتنام، هي: تساقط أحجار الدومينو.
.. وللعلاّمة نيوتن "تفاحته" الأشهر من "بندول نيوتن".
أين نقطة المركز في هذه النظريات؟ إنها في فلسطين، وهي بؤرة ـ مركز لعملية فك وتركيب جارية في العالم العربي، وخصوصاً في الهلال الخصيب.
هذه الإسرائيل تبدو وقد فكّكت وركّبت "أوسلو" على هدي وهدى مصالحها؛ وأميركا تروم فكفكة وتركيب العالم العربي، ودول "ربيعه" بنقل التحالفات العلنية والضمنية من حكم القادة المستبدين الأقوياء "العلمانيين"، إلى حكم السلفيين المعتدلين، ليكونوا حلفاءها الجدد؟
عضوية فلسطين المراقبة في الجمعية العامة لا أقل من خطوة جسورة، ذات رهان حدّيّ وخطير، لإعادة فكفكة وتركيب "أوسلو" في اتجاه معاكس لما فعلته إسرائيل. سنفاوض على قاعدة قرار الجمعية العامة بالعضوية!
المسألة أن إسرائيل ذات حَوَل في عينيها ومصابة بقصر بصر "ميوب" بينما أميركا، التي أرسلت "كيوريوسيتي"، للمريخ، تنظر إلى المنطقة، وضمنها فلسطين، نظرة شاملة بالتلسكوب.
يعنيني في مسألة عضوية فلسطين "بندول نيوتن". الهلال الخصيب، بل والعالم العربي، مثل كرات معدنية معلقة بخيوط. كرة تونس ضربت كرة مصر وكرة اليمن.. والآن كرة سورية الدامية ـ قلب العروبة. أين الكرة الفلسطينية؟ قالوا: لم تعد هي "المركزية" (الرقم 8 في البلياردو) في فك وتركيب العالم العربي.
الأغبياء هؤلاء ينسون أن "الربيع العربي" بدأ في فلسطين (ولكن حاملاً شعارات وطنية قصوى)، وانتخاب حركة دينية، عدا الانتفاضتين، أيضاً. وفلسطين، وحدها، تخوض حرباً وطنية وجودية، بالمقاومة وبالمفاوضة، يعني مثل سيف الإمام علي ذي الشعبتين، أو سكين ذات حدين. باقي دول الربيع تخوض نزاعاً أهلياً، أو حروباً أهلية.
سنذهب، ونتحدى نظرية الفك والتركيب الإسرائيلية لـ"أوسلو"، ونظرية حليفتها أميركا لفك وتركيب العالم العربي، وستضرب الكرة المعدنية الفلسطينية بقية كرات "بندول نيوتن". ستعيد ارتصاف الفوضى!
قال رئيس السلطة: لن تكون هناك نكبة فلسطينية أخرى. أي: إما فلسطين وإما "يهودا والسامرة". ماذا يعني هذا؟ انسحبت إسرائيل من سيناء لتحافظ على "أرض إسرائيل"، ثم انسحبت من غزة لتحافظ على "يهودا والسامرة"، وقبل ذلك انسحبت من شعار "حيروت": للأردن ضفتان أولاهما لنا وثانيهما لنا لتحفظ سيطرتها على أرض ـ فلسطين السياسية.
إبّان حصار بيروت 1982 قال الرئيس المؤسّس: لو كانت بيروت مدينة فلسطينية لما خرجت منها. الآن، إسرائيل تتحكم، بطريقة أو بأخرى، بكل مدن الضفة الغربية.
بيغن قال: "حكم ذاتي إداري لعرب أرض ـ إسرائيل في يهودا والسامرة". قتلوا رابين ثم قتلوا عرفات.. فقتلوا "أوسلو"، وابن المؤرخ التوراتي بن ـ تصيون نتنياهو يتوخى تطبيق "حكم ذاتي للسكان" في بعض الضفة، في معازل المنطقة (أ).
يقولون: قلب الطاولة، ونقول سنقلب نظرية فك وتركيب "أوسلو"، بل وفك وتركيب المنطقة العربية، وسندع "بندول" دولة فلسطين يضرب "بناديل" دول الربيع العربي. نحن الفوضى الخلاّقة.
نعم، تبدو فلسطين وكأنها لم تعد القضية المركزية للنظام العربي المستبد والقديم الذي يدافع عن نفسه، لكنها تبقى القضية المركزية لشعوب هذه الدول.
لا أدري من الفيلسوف اليوناني الذي قال: أعطني عصاً طويلةً جداً ونقطة ارتكاز مناسبة، وبإمكاني أن "أشقل" الكرة الأرضية!
لعلّ فلسطين هي نقطة ارتكاز لـ "شقل" العالم العربي، وهذه المرة ليس بالانقلابات العسكرية كما بعد نكبتها، وإنما بقيامها من النسيان وعودتها إلى خارطة العالم. مساحتها ليست تهم الآن.
أبو مازن يخوض معركة حياته، والشعب يخوضها معه معركة مستقبله: فلسطين أو "يهودا والسامرة". سيكون قرار العضوية هو العصا والضفة الغربية نقطة الارتكاز، هو هادئ ومنطقي، وإسرائيل عصبية وغير منطقية!.
نحن لها. "حاصر حصارك.. لا مفرّ"!.
نقلاً عن جريدة "الأيام"