حسن البطل
أعتذرّ عمّ؟عن عنوان عمود الأمس: "له جنازته الثالثة" مع أن فحوى الموضوع ليس مبنياً على العنوان، وقد ورد في المتن بعبارة إنشائية واحدة!
مع الاعتذار، شعور بشيء من الراحة. لماذا؟ تبلبلت وتحيّرت: كيف تكون جنازة عسكرية دون حضور رئيس السلطة؟ لعلّ الجنازة الثالثة ستجرى لدى نقل جثمان الرئيس المؤسّس إلى مثواه الأخير: ثرى القدس. القدس قبلتنا الأولى!
لن يكون هذا دون دولة فلسطينية، ولن تكون لنا دولة دون القرار المنتظر في الجمعية العامة. صدور القرار هو فشل آخر لإسرائيل، ليس فشلاً للردع العسكري هذه المرة، لكن للردع السياسي. أبو مازن لم يرتدع. هذه معركة حياته.
بعد تصويت يوم 29 نوفمبر سيبدأ سباق مزدوج: مع إسرائيل مفاوضات بأفق جديد ومع مشاريع أميركية ـ دولية جديدة. أيهما أقرب وأجدى!
للطائر جناحان؛ وللإنسان قدمان وساقان وجذع واحد؛ وللسلطة بعد التصويت خطان متوازيان: المصالحة والمفاوضة استكمالاً للمقاومة والمفاوضة.
فشل الردع السياسي أوضح، وربما أبعد مدى ومفاعيل من فشل الردع العسكري. هذه حركة ونقلة سياسية اشتغلنا عليها، بصبر وتصميم سنة وبعض السنة، ثم جرى توقيتها الملائم: بعد الانتخابات الأميركية، وقبل الانتخابات الإسرائيلية، وبالذات يوم قرار التقسيم الدولي القديم، وفي محفل صدر عنه قرار التقسيم.
بنية سيئة، وحساب متسرع، ادعوا أن "حماس" ربحت في معركة ردعها عسكرياً، والسلطة خسرت من قيمة أسهمها السياسية.. ردع إسرائيل لحماس مجرد رهان، لكن فشل ردعها السياسي لعباس رهان فاشل. كيف؟ إسرائيل تجاوبت مع الطلب الأميركي بتليين عقوباتها الفورية على السلطة، والسلطة تجاهلت تمنيات كلينتون، بل تحذيرها و"أمرها" بتأجيل الطلب الفلسطيني، على موعد أن تعود واشنطن للإمساك بأزمّة الحل بعد قليل.
هل وعدت السلطة بعض دول الاتحاد الأوروبي (وأميركا؟) أن تؤجل قليلاً طلب العضوية في المحكمة الجنائية الدولية، سعياً لتصويت بعضها الإيجابي، أو امتناع بعضها السلبي؟ ربما نعم.
أظنّ أن الخطوة التالية، بعد التصويت، ستكون مشروع قرار إلى مجلس الأمن أنه "يأخذ علماً" بقرار الجمعية العامة. قرار رئاسي من مجلس الأمن مثلاً. هذا سيشكل نوعاً من الضغط على واشنطن، ليس لوضع إطار جديد للمفاوضات فقد حدده قرار الجمعية العامة، لكن لتفعيل هذا الإطار.
قرار 29 نوفمبر 2012 ليس مجرد "عودة على بدء" لقرار 29 نوفمبر 1947، ولو عيّرنا الإسرائيليون بأن رفضنا لقرار نوفمبر 1947 سكب لبننا على الأرض. آنذاك، لم تكن لنا قيادة وسلطة على بعض الأرض، وكان قرارنا ملك عروبتنا لا في أيدي فلسطينيتنا!
نردّ على الإسرائيليين، اليوم، ونسألهم ألم يرفضوا مبادرة السلام العربية؟ لماذا يتمسكون باحتلال يراه العالم كله "غير شرعي" قبل تصويت 29 نوفمبر الثاني وبعده؟ هل الكتل الاستيطانية على أرضنا غالية عليهم أكثر من غلاء حيفا ويافا وعكا علينا!
أطرف ما قرأت عن رد الفعل الإسرائيلي أن أبو مازن "حمساوي متخفي" وأن إرهابه السياسي أخطر على إسرائيل من "إرهاب حماس".. قد يقولون الآن أن "حماس" "فتح متخفية" لكن "حماس" وعباس فلسطينيون أولاً.
لاحظوا أن دعم "حماس" لعباس المعتدل (ببذلة رجل الأعمال لا بالبزة العسكرية العرفاتية) تلاه انقلاب قاعدة الليكود على أمراء الليكود المعتدلين، وبعد تحالف قائد الليكود مع "إسرائيل بيتنا".. فلسطين نحو اعتدال. إسرائيل نحو تطرف!
كيف ستفاوض فلسطين المعتدلة حكومة إسرائيلية متطرفة أكثر؟ هذه ليست مشكلتنا فنحن نفاوض أي حكومة إسرائيلية ينتخبها شعبها، لكن هذه المرة على قاعدة التصويت الجديد في 29 نوفمبر الجديد. هذه مشكلة أميركا كيف ستبني جسراً على نهر، ولو على خليج صغير، وإنما على مجرد محيط!
هل تذكرون شعار "فتح" القديم؟ لا تبعية ولا احتواء ولا وصاية. ها قد تمكنا من عقد قران بين الشرعية الدولانية الفلسطينية والشرعية القانونية الدولية.
حسن البطل