حسن البطل
الشيء بالشيء يذكر .. أو لا يذكر. مثلاً، "الجمعة الطيبة" الايرلندية (غودفرايدي) في بلفاست قد تذكرنا بـ "الجمعة الطيبة" الفلسطينية في نيويورك.
في ايرلندا أفلحت الولايات المتحدة في إنهاء أقدم صراع أوروبي، قيل أنه من إرث الحروب المذهبية الاوروبية: كاثوليك (ايرلنديين) وبروتستانت (بريطانيين).
وقيل انه صراع قومي بين أخبث استعمار انكليزي ذي عقل بارد، وبين أكثر شعوب أوروبا عناد رأس وحرارة قلب. يقولون في الفرنسية: قوي مثل تركي، وقد نقول عنيد الرأس وحار القلب مثل ايرلندي.. او مثل فلسطيني.. ابو اياد زعم: نحن اكثر شعوب الأرض عناداً.
بماذا لا تذكر ايرلندا الشمالية (اولستر) وبلفاست بفلسطين والقدس؟ صاحب انجاز "الجمعة الطيبة" في ايرلندا هو نفسه صاحب الفشل في انهاء الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي.
هو نفسه جورج ميتشل المحنّك، ربما ليس أقل من حنكة فيليب حبيب الذي أخرج الفلسطينيين بـ "اتفاق مشرف" من بيروت.
ميتشل هو واضع "خريطة الطريق" قبل عشر سنوات، التي قبلها الفلسطينيون، والتفّت عليها اسرائيل بشروط وتحفظات شارونية. وهو نفسه الذي عينه الرئيس باراك اوباما، في الأيام الاولى لرئاسته، لتطبيق الخارطة، بعد ان صارت صيغتها "دولتان لشعبين"!.
لو أفلح ميتشل في فلسطين كما في ايرلندا لاستحق، ربما "نوبل للسلام" بدلاً من لا - استحقاق اوباما لها، ولو تمكنت كوندوليزا رايس من ذلك لاستحقت الجائزة، لأنها اشترطت على الرئيس جورج بوش الابن، في ولايته الثانية، ان يكون جدياً وجاداً في مسألة دولة فلسطين، لتقبل حقيبة الخارجية، وتغادر منصب مستشار الأمن القومي.
لماذا "الجمعة الطيبة" الايرلندية تذكر بـ "الجمعة الطيبة" الفلسطينية .. ولا تذكر ايضاً؟ لأن أصواتاً وآراءً في حكومة نتنياهو تريد، بعد عضوية فلسطين، العودة الى "خارطة الطريق" التي تنص على مفاوضات لاقامة دولة فلسطينية مؤقتة، تفاوض اسرائيل على ترسيم حدود بين دولتين كحل نهائي.
السلطة تقول بمفاوضات بعد عضوية فلسطين على حل نهائي، ولا تقبل بدولة ذات حدود مؤقتة. لماذا؟ لأن اوسلو الموقوفة على العام ١٩٩٩ صارت وكأنها لا نهاية لأجلها، ولأن كل مؤقت هو دائم في الشرق الاوسط.
الاسرائيليون يقولون ان الفلسطينيين اضاعوا فرصة قبول قرار التقسيم الدولي ١٩٤٧، والفلسطينيون يقولون ان اسرائيل اضاعت فرصة قبول مشروع السلام العربي، وقبول الفلسطينيين "خارطة الطريق"، وأن مشروع عضوية فلسطين دولة مراقبة هو الفرصة الاخيرة لانقاذ حل الدولتين.
ماذا بعد؟ نحن الذين قطعنا مفاوضات عبثية مع حكومة اسرائيلية متشددة، ونحن الذين نقترح مفاوضات جدية، بعد أن حددت فلسطين حدودها السيادية على اساس خطوط الهدنة لما قبل حرب حزيران ١٩٦٧.
لن تبدأ مفاوضات جديدة في اليوم التالي لقرار قبول عضوية فلسطين مراقبة، في الاقل لأن حكومة اسرائيل امامها انتخابات، والادارة الاميركية امامها فترة انتقالية قبل ولايتها الثانية.
ينبغي أن تكون السلطة والشعب الفلسطيني وضعت في حسابها ان تتحمل ويتحمل عقوبات اميركية واسرائيلية، وكذا أن تجتاز المفاوضات كميناً وشركاً اسرائيلياً بقبول متأخر لخارطة الطريق، التي تنص على دولة مؤقتة الحدود.
بعض الاسرائيليين يرون الامور من زاوية "رب ضارة نافعة" أي عودة الفلسطينيين للتفاوض، شرط ان لا يشهروا سيف المحكمة الجنائية الدولية. المحكمة هذه تجرّم نقل سكان الدولة القائمة بالاحتلال الى اراضي شعب آخر، لكنها تجرّم ايضاً العمليات الانتحارية، وقصف المدنيين، والاعدامات بلا محاكمة للمتهمين بالتعاون مع الاحتلال. المحكمة سلاح ذو حدين.
شعب تحت الاحتلال من حقه ان يستخدم كل الوسائل، بما فيها الكفاح المسلح، حسب شريعة الامم المتحدة، لكن دولة تحت الاحتلال سيكون عليها التفاوض لحريتها، وايضا نبذ اي عنف يدخل في خانة جرائم الحرب.
بعد كانون الثاني، والانتخابات الاسرائيلية، وتشكيل الحكومة الجديدة، سنعرف جدية اسرائيل في المفاوضات على قاعدة جديدة، التقديرات ان "ليكود - بيتنا" سيفوز، لكن ان بقي ليبرمان الاحمق وزيراً للخارجية، فهذا يعني ان اسرائيل غير جادة.
في الدول الديمقراطية يستقيل المسؤول الذي يفشل، وليبرمان مني بفشل ذريع، وعلى نتنياهو ان يلقي خطاب "بار - ايلان" الثاني .. ولكن في ضوء قرار الجمعية العامة. خاض حربه الاولى لردع غزة عسكرياً، ولردع السلطة سياسياً.
نقلاص عن جريدة "الأيام"