حسن البطل
الابنة، تلميذة "فريندز" سألت صديقي والدها الموظف في المقهى عشرة شواكل لسندويشتي فلافل لها ولصديقتها. الأب أعطى وأشار إلى عنوان الجريدة: "لا موعد لصرف الرواتب.." البنت أعادت المال، وطبعت على خدّ الوالد بوسة. مشت خطوتين، ثم استدارت والتقطت الشواكل ضاحكة!.
كلوا فلافل؟ ذات مرّة قال إسماعيل هنية ـ لما كان رئيس حكومة الوحدة العابرة ـ كلوا زعتراً وزيتاً وملحاً وخبزاً. ثلاثة سندويشات فلافل يومياً، لأسرة من أربعة أفراد تكلفها 60 شيكلاً يومياً.. وما بالخبز (والفلافل والزعتر) يحيا الإنسان (الفلسطيني).
إذن، كلوا عشرين حبة زبيب يومياً، وحبتي جوز (أربع فلقات)، دون حاجة لكم لشراء العنب الإسرائيلي، اللابذري، في "الكوانين"، أو بطيخ الشتاء الإسرائيلي من الغور. كل حبّة زبيب تعادل قيمتها الغذائية عشر حبات من العنب، وأما الجوز فهو وقاية من السرطان والكوليسترول.
.. أو، كما اقترح سلام فياض بالأمس على الصحافيين، نقل مقاطعة البضائع الإسرائيلية من مبادرة تطوعية شعبية إلى سياسة سلطوية رسمية. يعني بلاش عنب وبطيخ "الكوانين"، وجبنة "عيمك" وهذا "الشيبس" الإسرائيلي.. إلخ.
أموال المقاصة المحتجزة إسرائيلياً هي 120 ـ 150 مليون دولار، ولعلّها أقل من قيمة ما نستورده غذائياً من إسرائيل، ولا حاجة لنا به، دون أن نأكل الفلافل ثلاث وجبات، أو نغمّس الخبز بالزيت والزعتر.
لم أحضر لقاء الأمس مع فياض، لأن موعدي مع الطبيب أهمّ، ومن ثم ذكّرنا فياض بما لا ننساه، فاحتجاز أموال المقاصة لم يعد إجراء بل سياسة عقابية، مارسها نتنياهو سنة 1997 مدة شهرين، وباراك مدة سنتين، وشارون كذلك 2001ـ2002.. وحتى أولمرت عملها لمدة 16 شهراً، والآن عاد إليها نتنياهو مرتين في 2011 ومرة ثالثة في 2012.
كيف اجتزنا العقوبات ودفعنا الرواتب؟ ملك السعودية اقترح على قمة عربية تمويلاً للسلطة في سنوات الانتفاضة 2001ـ2002، وتم دفع العون "بدقة الساعة السويسرية" حسب فياض.
الآن، تطلب السلطة شبكة أمان 100 مليون دولار (بدلاً من مائتين).. ولكن "لا موعد محدداً لصرف الرواتب" علماً أن عائدات دول النفط الخليجية 400 مليار دولار سنوياً، والوليد بن طلال اشترى طائرة إيرباص 380 بقيمة ملياري دولار.
فياض طرح أربعة اقتراحات للتعامل مع الأزمة المالية: شبكة أمان عربية. تسهيلات من البنوك كما حدث 2006. استخدام فائض الشواكل لدى البنوك. بيع بعض موجودات صندوق الاستثمار الفلسطيني.
يوم ـ يوم، أو شهر ـ شهر، أو "حل جذري" مثل مقاطعة (أو ضبط) استهلاك بضائع إسرائيلية تبدأ دفعتها التجارية بالرقم 972.. أو ماذا؟ لماذا يحق للجمهور أن يشتكي على السلطة، ولا يحق لها الشكوى من الجمهور. كيف؟
هذه المرة، برّرت إسرائيل احتجاز أموال المقاصة بتسديد ديون السلطة (والشعب) لشركتي الكهرباء والمياه الإسرائيليتين بقيمة 1700 مليون شيكل. ليدفع القادرون، وليعفَ غير القادرين، ولنتخلص من "ثقافة عدم الدفع".
مع ذلك، فالمسألة معقّدة ومتداخلة، وإلاّ لماذا تهدم إسرائيل خلايا شمسية لتوليد الكهرباء في المنطقة (ج).. ولماذا تهدم آبار جمع مياه الأمطار في تلك المنطقة، وتخرّب ما موّله الأوروبيون لإصلاحها، علماّ أن بعضها يعود إلى زمن ما قبل إقامة إسرائيل.
أكثر من هذا، فإسرائيل تنهب 75ـ80% من المياه الجوفية للضفة، ولا تدفع مقابلها أغورة واحدة، وتضبط بشدة حفر آبار فلسطينية أو تمنع تعميقها للوصول إلى الطبقات الحاملة للمياه بوفرة.. ثم تبيعنا مياهنا المنهوبة، أو تسلب حصتنا من مياه نهر الأردن.
أعرف أن فك الارتباط بين الاقتصادين هو في صعوبة "استلال الشعرة من العجين"، وأن صادراتنا لإسرائيل تشكل معظم صادراتنا، ووارداتنا منها تشكل نسبة مئوية مهولة من الواردات الفلسطينية.
لكن يمكن لنا خوض الحرب على جبهة 972 (دفعة البضائع الإسرائيلية) ولو بشكل بسيط لبضائع لا حاجة لنا بها.
في الشعار يقول الفلسطينيون: الجوع ولا الركوع، لكن في الواقع يقولون: وين الراتب يا سلام؟ "دبّرها يا مستر بل.. بلكي على إيدك تنحل" كما قال بعض الفلسطينيين زمن الانتداب البريطاني!
.. أو دبّرها يا شيخ حمد!.
نقلاً عن جريدة "الأيام"