حسن البطل
برنامج "وزارات" واحد من برامج تسهيلات الاستهلاك لخدمة المشتركين في الهاتف النقال، إلى برامج لرجال الأمن، والطلبة والعموم.. إلخ!
شركتا الهاتف النقال تتنافسان، والمستهلك يستهلك أكثر خدمات التسهيلات الترويجية الذكية هذه.. لكن كل تسهيلات خدمية واستهلاكية ذات صلة بـ "سلسلة" تذكّركم بالسلسلة الغذائية.. وبالمعكوس طبعاً.
.. ومن ثم، بدت شوارع رام الله، مساء أمس، خفيفة الحركة. لماذا؟ حوالي 30% من سكانها موظفون سلطويون، وهؤلاء رحلوا إلى قراهم في إجازة إضراب أربعة أيام احتجاجاً على تأخر الرواتب، وربما 30% آخرون لزموا بيوتهم.
"الحركة بركة" والحركة خفيفة الآن، ويكفي لتفسيرها ما ذكره، ذات مرة زميلي الغزّي توفيق وصفي: راتب الحكومة المقالة لا يحرّك السوق، لكن راتب حكومة رام الله يحرّكها.. وهذه هي "سلسلة حركة" مثل ناقل السرعة في السيارة وذات صلة بـ "السلسلة الغذائية".
عندما عنونت عموداً ساخراً: "ما في رواتب؟ كلوا الزبيب" انتقدني الموظفون المضربون لأنني بسّطت المسألة العويصة. حسناً، دعنا من "السلسلة الغذائية" و"سلسلة الحركة" إلى سلسلة طبّية.
إذا أصيبت ساقك بجلطة خفيفة متكررة، فاحذر أن تصاب لاحقاً بجلطة قلبية أو دماغية "تودّيك في داهية"، أو تشلّ "سلسلة الحركة" للجملة العصبية في جسمك.
الحال أن أزمة الرواتب تشكل، إلى الآن، جلطات متكررة في ساقي الأداء الإداري للحكومة الفلسطينية (للسلطة أو النظام إن شئتم)، علماً أن تقارير دولية ما قبل أزمة 2011 المالية أشادت باستعداد مؤسسات الإدارة الفلسطينية لتشيل على كاهليها مهام دولة!
قبل الأزمة، وعدنا فياض بالاستغناء التدريجي عن منح دعم ميزانية السلطة، وفي المقابل تحسين الجباية، وتطويع "ثقافة عدم الدفع"!
الأزمة كانت انتكاسة؛ والانتكاسة لها علاقة بالتصويت الدولي على الدولة، وبخردقة "شبكة الحماية" العربية، ومن ثم بالجلطة المتكررة في سيقان الأداء الإداري والمؤسساتي للسلطة. تذكّروا "سلسلة غذائية" وحركية.. واقتصادية.. وربما اجتماعية إلخ!
مع هذا، تكيلون السباب للسلطة، سياسياً ومالياً وأمنياً.. وربما انتخابياً إن لم تنتظم الرواتب، دون أن يتذكر الجمهور مسؤوليته الجزئية.
مثلاً: كيف يمكن تحسين الجباية في حالة "جلطات" الرواتب؟ أقصد، مثلاً، جباية فواتير الماء والكهرباء، علماً أن ثقافة عدم الدفع أطلّت برأسها مع كل أزمة رواتب.
إن توزيع عبء الجباية غير عادل على المستهلكين، لأن بعض المخيمات تتدفّأ وتطبخ على الكهرباء، وتترك النوافذ مفتوحة في برد الشتاء.. ولا تدفع فاتورة الكهرباء، لأن "حق العودة" مقدس، وأما حقوق الحكومة في الجباية فمهضومة. لا تشتموني فأنا لاجئ مثلكم ولكنني مواطن أولاً.
أيضاً، يعتبر موظفو السلطة في غزة، وهم 70 ألفاً، أن بدل زيادة المواصلات (300ـ1200 شيكل لكل واحد شهرياً) صار حقاً مكتسباً، حتى وهم قعود في بيوتهم، ومعظمهم يدعي أنه يسكن رفح وهو يسكن غزة. هذه الحالة موجودة لدى موظفي الضفة، أيضاً، والشاطر بشطارته. احلبوا فياض!
بعض الموظفين لا يرى حاجة ملحّة لتسديد السلطة ديونها إلى "المورّدين" لكن المسألة ليست بهذه البساطة، لأن المورّدين سيتوقفون عن التعامل مع مالية السلطة، أو يصرفون بعض الموظفين لديهم.. فتزداد البطالة "ضغثاً على إبالة".
اسمحوا لي أن أضرب مثلاً: تقوم مؤسسة "الأيام" بطباعة الكتب المدرسية بناءً على مناقصة تجارية محضة. مع أزمة الرواتب قلّلت السلطة من واجباتها إزاء المورّدين" وارتفعت ديونها لمؤسسة "الأيام" حتى 40 مليون شيكل ذات فترة.
المؤسسة اضطرت للتقشف وخفض رواتب موظفيها نسبة 10% مدة ستة شهور وتجميد عقود البعض، أيضاً.. وهذا يؤثر على "السلسلة الغذائية" والحركية و"الحركة بركة".. وبسبب جلطات خفيفة، أيضاً. حسموا على محسوبكم 600 شيكل لمدة ستة شهور!
أعرف واحداً من أسباب شدة "جلطة" الرواتب، وهو أن الموظف صار ملزماً بفواتير البنوك لشراء سيارة وبيت، وهناك طفرة في هذا الموضوع مع التسهيلات ووفرة الشواكل في البنوك.
.. وأخيراً، فضحتنا صديقتنا "عميرة هس" في "هآرتس"، لأن أي حرب تجارية بين السلطة وإسرائيل قد تدمر السلطة ولا تؤذي اقتصاد إسرائيل إلاّ بنسبة ضئيلة. بس بلاش جبنة "عيمك" الصفراء.
العقل السياسي الفلسطيني يعمل جيداً، وإن لا يرى ذلك معظم الجمهور، ولا نريد للجلطات في السيقان أن تسبب لنا "سكتة دماغية" في خياراتنا السياسية الوطنية.. والسلام على من تعقّل واهتدى، لأن شعبنا طويل اللّسان وسليطه. الكاتب يحسّ مع الشعب وهذا لا يحسّ مع الكاتب.. معليش!
نقلاً عن جريدة "الأيام"