حسن البطل
لهواة صقل الألماس في روتردام أن يُقيّموا الماسة حسب حجمها وتبعاً لصفاء لونها، ولهواة اقتناء هذا الحجر الكريم والثمين، الذي لا يقطعه سوى الماء، أن يبحثوا في لونه الطاغي عن شائبة لون دخيل! قريباً من "يوبيل فتح"، الذهبي لا الماسي، قد أرى في "فتح" ماسة حركات التحرر الوطني، أو إن شئتم تعبيراً آخر: عميدة حركات التحرير الوطني العالمية. حتى ما قبل "يوبيل فتح" الفضي، كان مثقّفو ومنظّرو الفصائل (وجميعها ارتصفت على يسار "فتح"!) يجدون فيها شائبة، وكانوا يبحثون عنها في جدل فقهي "بين النظرية والعفوية". هم المنظّرون و"فتح" عفوية. العقل لهم والقلب لـ "فتح"؟! ربما رداً على هذا عنونتُ عمود الجمعة "يوم ف.." لأنه الحرف الأول من اسم الحركة، والحرف الأول من اسم البلاد. هذه المماهاة هي "نظرية فتح" وقت أن كلّت النظريات الشمولية وتلاشت. يقولون: الإنسان إشارة إلى كائن فرد.. وإشارة إلى النوع البشري.. أليس كذلك؟ ومن ثم؟ أقل من شهر بين "بحر أخضر" حمساوي و"بحر أصفر" فتحاوي. للأولى نظرية الإسلام (دنيا وديناً ووطناً)، وللثانية "نظرية الوطن" أرض الرسالات. .. ليس تماماً ولكن على سبيل المجاز! ولا عام من أعوام الحركة المؤسسة - القائدة للتحرير الوطني الفلسطيني كان مثل هذا الحشد و"البحر الأصفر". بالمناسبة هناك "النهر الأصفر" العظيم (يانغستي) في الصين ذات المليار والثلث من البشر، وهناك "البحر الأصفر" قبالة الكوريتين، والبحر الأبيض امتداد للأطلسي، والبحر الأسود امتداد للبحر الأبيض، والبحر الأحمر امتداد للهندي).. و"فتح" هي الامتداد للانبعاث الفلسطيني. قل "مليونية" أو ما يقاربها من سكان قطاع يعدون أقل من مليونين، قل إن ما حدث هو تطابق "حديث القرايا/ الشعب" مع "حديث السرايا/ ساحة السرايا"، وكانت غزة، مطلع السلطة، هي: المنتدى والسرايا. .. وقل إن "الربيع العربي" بدأ في فلسطين، وانجرف في بلاد العرب، وأنه "تصويب" فلسطيني لـ "الربيع العربي". كرنفال عظيم سلمي تماماً!. .. وقل إنها مصادفة أن حشود السرايا و"البحر الأصفر" في ساحتها، كان في اليوم ذاته حين وقّع رئيس السلطة اعتماد اسم "دولة فلسطين" على الأوراق الرسمية! فلسطين أوّلاً وثانياً وثالثاً "فتح". .. وقل إن "فتح" فاجأت الفلسطينيين، وهؤلاء فاجؤوا شعوب دول "الربيع العربي".. لكن، ما يهمني في الأمر أمران: أن "المفاجأة هذه ضربت إسرائيل أولاً، ونتنياهو بالذات، الذي ثرثر عن تلاشي "فتح" والسلطة، والأمر الثاني هو "شائبة" الماسة الفتحاوية. يمكن أن "رقصة الأخضر" قبالة الأصفر، و"رقصة الأصفر" قبالة الأخضر هي نوع من "حرب قبائل" سلمية.. (أو رقصة الحبّ بين الذكر والأُنثى). لكن، الموجة الإسلاموية اندلعت في فلسطين، بالانتخاب والانقلاب، والموجة الوطنية اندلعت في فلسطين! الصلحة هي زواج السلطة بالانتخاب! ما هي الشائبة؟ في بيروت كان العلم الفلسطيني علم الفصائل (والقبائل) كلها، وكانت درع "فتح" مجرد شعار على الورق الحركي لا على القماش (هل تتذكرون بحر الأعلام الفلسطينية واللبنانية وقت الخروج من بيروت)؟! نعم، الانتفاضة الأولى كانت، أوّلاً، انتفاضة العلم الفلسطيني. لكن شابتها للمرة الأولى رايات الفصائل التي طفت رويداً رويداً. رايات قبائل لا راية شعب! إن "شائبة" مليونية "فتح" في ساحة السرايا هي غلبة الراية الصفراء على الراية رباعية الألوان، ماذا لو أن "فتح" حملت غابة من الراية رباعية الألوان، ولم تسقط في "مناكفة" الراية الخضراء. كأن "حماس" وجدت لمناكفة "فتح". في هذه "المناكفة" وحدها أظهرت "فتح" ضعفاً، لأن من يستخدم مصطلحات وشعارات المنافس والخصم (ولو بالضد) يكون قد وقع في محذور "الاستلاب" أو بالتعبير الأجنبي المعرّب "الألينة". البعض جُبل على عدم الرضا، ولست من هذا البعض، لكن عدم الرضا صار حالة فلسطينية داهمة. البعضُ جُبل على الشك (أنا أشك ـ أنا موجود) وأنا من هذا البعض. "فتح" روح الشعب (وعلى الروح أن تجد الروح في روحها.. أو تموت هنا). طول عمرها كان عدم الرضا من جبلة كوادر حركة "فتح"، لكن طول عمرها كانت فلسطين هي بوصلة "فتح"، وكانت "فتح" هي بوصلة حركة التحرير الفلسطينية (اللّي مضيّع وطن.. كيف الوطن يلقاه؟). اقتربت "المصالحة" بعد الحشد بين الأخضر والأصفر؟ لا أجزم. اقترب الاحتكام إلى الانتخاب؟ لا أجزم. أجزم بشيء واحد: هو انطلاقة جديدة للروح الفلسطينية. بهذا وحده فوجئت إسرائيل!.
نقلاً عن جريدة "الأيام"