حسن البطل
رنا بشارة، فلسطينية في إسرائيل، التقطت مفارقة سنة ميلادية جديدة في بلاد ولد فيها التأريخ الميلادي: الطوائف المسيحية في فلسطين تحتفل بالميلاد ثلاث مرات؛ وبالفصح مرتين. يعني: المسيح "يولد" في القدس ثلاث مرات، و"يموت" مرتين!
في هذه البلاد، الصغيرة والمقدسة، مفارقة أخرى وأشمل:هناك رأس السنة الميلادية، ورأس السنة الهجرية، ورأس السنة العبرية، يعني: "هابي نيو يير" و"كل عام وأنتم بخير" و"رحلت سنة بويلاتها، وحلّت سنة ببركاتها" كما يقولون في رأس السنة العبرية!
ثلاثة أعياد ميلاد، وثلاث بدايات للسنة الجديدة. شو كمان؟ هناك ثلاث دول تعيد ترتيب أوضاعها الداخلية، ومحصّلة هذا الترتيب ستنعكس على العام الميلادي الجديد 2013 في البلاد، وهي الولايات المتحدة، وإسرائيل، والسلطة ـ دولة فلسطين.
أميركياً: مع نهاية الشهر الأول من العام الجديد، ستكون الإدارة الأميركية المتجددة برئيسها قد جددت أركانها، واختار الرئيس أوباما، بالتوافق مع الكونغرس، مساعديه الرئيسيين، وأهمهم وزيرا الخارجية، الذي رسا على المحنّك جون كيري، بالتوافق التام مع الكونغرس؛ والدفاع (البنتاغون) حيث يميل الرئيس إلى تولية تشاك هاغل، وهو خيار تخشاه إسرائيل واللوبي اليهودي الأميركي، وربما يعارضه الكونغرس.
هذان الوزيران من أبطال حرب أميركا في فيتنام، كما هو حال وزير الخارجية الأسبق، كولن باول. كانت وصية الجنرال ماك ـ أرثر بطل الحرب الأميركية المنتصرة ضد اليابان لولده: إياك أن تخوض حرباً برية في آسيا.. ولكن أميركا فعلتها أربع مرات في حروب آسيا، بعد الحرب العالمية الثانية: أولاً، في كوريا (ولكن تحت علم الأمم المتحدة) وفي فيتنام؛ وفي أفغانستان.. ثم العراق.
تشاك هاغل لا يريد ما تريده إسرائيل؛ أي حرباً أميركية ضد إيران، ولا يؤيد سياسة إسرائيل في فلسطين، أما زميله جون كيري فهو يريد من الفلسطينيين والإسرائيليين مفاوضات انطلاقاً من نقطة الأساس: تحديد الحدود وترسيمها، ومن ثم يسهل حل مسألة الكتل الاستيطانية والمستوطنات!
إسرائيلياً: مع نهاية شهر شباط أو أوائل آذار يكون الفائز في انتخابات هذا الشهر، وهو على الأرجح بنيامين نتنياهو، قد شكل تحالفاته الائتلافية لحكومته الثالثة، التي ستكون، على الأرجح، أكثر انحرافاً نحو اليمين، لأن الليكود ذاته مال مع جناح موشي فايغلين إلى أقصى اليمين، ثم تحالفاته مع "إسرائيل بيتنا" وربما مع "البيت اليهودي، تميل إلى يمين ـ اليمين، هذا علماً أن ليبرمان ونفتاي بينيت (البيت اليهودي) كانا عضوين رئيسيين في الليكود.
قادة الليكود يستهزئون بمحاولة زعيمة حزب "الحركة" "هاتنوعاه" تسفي ليفني تشكيل ائتلاف يضمها وحزب "العمل" وحزب "يوجد مستقبل (يش عتيد).. إلاّ إذا استطاع الائتلاف المضاد لليمين استمالة حركة "شاس" ودعمت الأحزاب العربية هذا الائتلاف، شريطة أن تنزل مقاعد الائتلاف اليميني من 67 حالياً إلى الحافة 60، ويكلف رئيس الدولة زعيمة حزب العمل بتشكيل حكومة تميل لمفاوضات مجدية مع الرئيس أبو مازن.
فلسطينياً: عضوية دولة فلسطين ـ مراقبة ثم احتفال "فتح" العظيم بانطلاقتها في غزة، أعطيا دفعة للسلطة الفلسطينية، لن تكون حاسمة ما لم تتوصل حركة "الأخضر" وحركة "الأصفر" إلى مصالحة دعت إليها مصر في هذا الشهر، أو ربما الشهر المقبل، بعد أن تكون أميركا وإسرائيل رتبتا أوضاعهما الداخلية، بعد انتخابات نوفمبر الأميركية ويناير الإسرائيلية.
أميركا وإسرائيل تدعوان الفلسطينيين إلى استئناف المفاوضات، والفلسطينيون يريدونها استئنافاً لآخر مفاوضات مع حكومة أولمرت.
المفاوضات مع إسرائيل خيار غير شعبي فلسطينياً، وخصوصاً مع الائتلاف اليميني، أما الانتخابات الفلسطينية فهي خيار شعبي صار قوياً بعد الانطلاقة الفتحاوية ـ الفلسطينية المتجددة في غزة.
للأطراف الثلاثة: أميركا وإسرائيل وفلسطين انشغالات مختلفة بـ "الربيع العربي"، هذا إذا هدأت الحرب الأهلية السورية أو حُسمت، أو انتخب المصريون برلماناً يوازن سلطة رئيس الدولة.
لم ترحل لعنات السنة الفائتة، والبركة الوحيدة في السنة الجديدة هي شتوية ماطرة يليها "ربيع طبيعي" وليس ربيعا سياسيا.
نقلاً عن جريدة "الأيام" الفلسطينية