حسن البطل
عشية "الثلاثاء الكبير" الإسرائيلي، دفع نتنياهو في حديثه إلى موقع "والاّه" ما يشبه القسط الأخير من ضريبة القيمة المضافة (VAT)؛ ودفعه لجناح موشي فاغلين في "الليكود" وحزب نفتالي بينيت!
إنه أول رئيس وزراء يزور مستوطنة في الضفة في مجرى حملته الانتخابية، ويشكل المستوطنون ٤٪ من سكان إسرائيل بينما يشكل الفلسطينيون ٢٠٪ من سكانها. إنه ينافس على أصوات الأولين، بينما يحث رئيس الدولة، شمعون بيريس، وآخرون الـ ٢٠٪ على اجتياز نسبة التصويت المنخفضة والمتوقعة البالغة ٥٠٪.
قد نقول، والحال هذه، إن هناك مقياساً يهودياً للديمقراطية، لعله مقياس "فهرنهايت" مثلاً وآخر للديمقراطية الإسرائيلية، ولعله مقياس "سانتيغراد" مثلاً!
عودة إلى جولته الانتخابية في مستوطنة / كتلة أريئيل، حيث قال ما معناه: حكمها كحكم القدس، أي ستبقى في نطاق إسرائيل. لا يكفي هذا، بل فاخر بأن كلية أريئيل صارت جامعة خلال حكمه، وهي أول جامعة في العالم يشرّعها حكم عسكري احتلالي.
ما الذي يعنينا من هذا؟ إنه السؤال المزدوج: كم كتلة ومستوطنة جديدة أقامت إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، بينما خلال ٦٥ سنة من عمرها، لم تقم إسرائيل مدينة أو بلدة عربية في نطاقها؟ السؤال الثاني: كيف أقامت جامعة في مستوطنة، وحتى الآن لا توجد جامعة عربية في إسرائيل؟
حسناً، هناك ١٦٠٠ فلسطيني يعيشون في مدينة الناصرة - العليا (نتسريت عليت) ولا تسمح بلديتها بافتتاح فصول أو مدرسة عربية، فيذهب التلاميذ إلى مدارس مدينة الناصرة.
في حديث انتخابي آخر إلى "جيروزالم بوست" تسلّق نتنياهو شجرة اليمين إلى أعلى فروعها، وقال: ليس يكفينا أن يعترف الفلسطينيون بيهودية دولة إسرائيل، بل عليهم تغيير مناهجهم المدرسية، ولا يكفي هذا أيضاً، فعليهم، ثالثاً، أن يحترموا مطالب إسرائيل الأمنية.
تبدو علاقة التصويت اليهودي في الانتخابات وعلاقة التصويت الفلسطيني فيها مثل "علاقة خلط الطين بالعجين" بل "مثل علاقة الطز بمرحبا".
الفلسطينيون في إسرائيل منقسمون ديمقراطياً بين "المرحبا" للتصويت للأحزاب العربية و"الطز" للتصويت في الانتخابات.
هل تحدثت الجامعة العربية بلسان السلطة الفلسطينية، عشية أسخف انتخابات وأكثرها مصيرية عندما دعت الناخبين الفلسطينيين إلى "التصويت بكثافة"، علماً أن أضعف نسبة تصويت فلسطينية كانت ١٣٪ في انتخابات العام ٢٠٠١ احتجاجاً على مصرع ١٣ شاباً فلسطينياً من رعايا إسرائيل في "هبة أكتوبر" تضامناً مع الانتفاضة الثانية.
علناً ورسمياً، لا تتدخل السلطة في خيارات الناخب الإسرائيلي، لكن المتنافسين في الانتخابات من الأحزاب الصهيونية واليهودية والإسرائيلية، يتدخلون في رسم مستقبل الأراضي الفلسطينية والشعب الفلسطيني .. ومن جانب واحد يلائم مصالح إسرائيل!
تُعرّف الديمقراطية، منذ عصر الإغريق، بأنها "حكم الشعب وبالشعب وللشعب" ويبدو أن تعريف الديمقراطية الإسرائيلية أقرب إلى "حكم اليهود وباليهود ولليهود" .. وطبعاً مع استثناءات مثل تصويت إسرائيليين يهود احتجاجاً للأحزاب العربية، وتصويت بعض الفلسطينيين لحزب "شاس" مثلاً، أو حتى أحزاب صهيونية هامشية متفرقة.
جانب آخر من "علاقة الطز بالمرحبا" نجده في تهجمات قادة أحزاب اليمين على رئاسة السلطة، لأنها تدير حوار مصالحة مع حركة حماس، وأما جنوح اليمين الإسرائيلي إلى أقصى اليمين فهذه مسألة في صلب ديمقراطية اليهود وباليهود ولليهود، ولا علاقة للفلسطينيين فيها سوى أن يكونوا "ديكوراً" لها!
بعد رئاسته الحكومة، قال شارون: ما يرى من هناك (في صفوف المعارضة) لا يرى من هنا (في الحكومة)، وكان نتنياهو الذي وصفه ساركوزي بالكذاب، قد طالب بإلغاء أوسلو أثناء حملته الانتخابية ١٩٩٦، والآن يتراجع في حملته ٢٠١٣ عن خطاب جامعة بار-إيلان، ويرفض قيام دولة فلسطينية، ويتعهد بعدم إزالة أي مستوطنة حتى خارج الكتل والجدار العازل.
سنرى خلال الربيع والصيف المقبلين كيف ستدور مفاوضات .. مثل علاقة الطز بمرحبا! يفرضون شروطاً علينا، ثم يطالبون بمفاوضات بلا شروط مسبقة.
نقلاً عن جريدة "الأيام"