حسن البطل
"لعبة أدخلها التربويون اليابانيون الى المدارس الابتدائية لتنمية ذكاء التلاميذ .. ما هي؟"
فشل رواد الكافتيريا "السنوب" جميعاً في الجواب الصحيح. ليس جواب سؤال المائة ريال ولا المليون، بل صحن ضيافة مجاناً، وتراوحت الاجوبة بين: الشطرنج، "السوديكو"، البنغ بونغ، والبلياردو..الخ.
كان الجواب المفاجئ هو: لعبة ورق الشدّة! كم لعبة لهذا الورق رباعي النقشة ثنائي اللون؟ لاعب وحيد يتسلى .. اثنان، او ثلاثة، او اربعة يتنافسون. لو كان مخترع (مخترعو) او مطور (مطورو) هذه اللعبة، وكذا لعبة الشطرنج وطاولة الزهر عاصروا جوائز نوبل، او ألعاب الاولمبياد الحديث، لربما نالوا جائزة. جميع هذه الالعاب اختراعات شرقية.
هنا في بلادنا يلعبون الورق في البيوت او بخاصة في المقاهي الشعبية، وأنا العبها يوميا تقريباً في مقهاي، هي ولعبة طاولة الزهر. لا أعرف يقيناً عدد الالعاب الورقية، لكن لطاولة الزهر (او النرد او شيش بيش) ثلاث ألعاب رئيسية ولها اسماؤها في البلاد الشامية: المحبوسة، الـ ٣١ والفرنجية، وبصعوبة يتعلمها بعض الزوار الاجانب، كما يتعلمون تدخين الارغيلة بنوعيها.
لاعب حول طاولة يلعب، منفرداً، لعبة حظ على أنواعها. لاعبان او ثلاثة او اربعة يتحلقون حول طاولة .. ولكل لعبته المفضلة. على طاولة مجاورة في مقهاي اربعة لاعبين من المدمنين على لعبة اسمها "المحروقة". طاولة في مكان واحد لا يتغير ايضاً.
فريقي او شركائي يلعبون ثلاث لعبات، تتصدرها "لعبة الطرنيب" الزوجية، او "هاند" الفردية، واحيانا "تريكس" .. ولا احد يذكرني بلعبة يونانية مارستها في الشام ونسيتها: "الليخا"!
ينفجر الضحك، بعد التوتر، عندما يفشل فريق زوجي ينافس في كسب الرقم الادنى للعبة، وهو سبعة، او عندما يفشل الفريق الزوجي او ينجح في كسب الرقم الاعلى وهو ١٣ أي "كبوت".
هناك التجربة؛ وهناك الحدس؛ وهناك المجازفة او المغامرة المحسوبة، ثم هذا الصعود السريع الى الرقم ٦١ او الهبوط المريع من الرقم ٦٠ الى الخسارة .. دراما جميلة!
في مجرى اللعبة "قرصات" شفهية، وشتائم خفيفة او ثقيلة .. واحياناً نزاع بعد خلاف يفضّ اللعبة قبل نهايتها. الأمزجة الانسانية اربعة، واللعبة رباعية، ولا بد احياناً من مزاج لاعب حاد.
نعم، هي لعبة للبسطاء من الناس، كما هي لعبة لغير البسطاء من المثقفين، الذين تضج في رؤوسهم الاسئلة والاجوبة الكبرى، ويجدون في لعبة الورق مكافئاً موضوعياً لاخماد العقل عن التفكير في مسائل الوجود او المصير العام، او مشاغل الحياة الشخصية.
ألعب "الطرنيب" او "الهاند" كل مساء تقريباً في المقهى، وهي مثل زخة مطر على ارض عطشى، او احياناً "ذاكرة للنسيان" .. تنسى المقالة واللوحة والقصيدة والفيلم، او المقطوعة الموسيقية.. ثم تتذكرها جيداً بصفاء اعلى وأعمق بعد "غسيل الدماغ" هذا!
يرتاح الدماغ؛ دماغ المثقف بخاصة، إما أثناء سبات النوم، او اثناء لعبة ما، رياضية كانت ام تزجية للفراغ: وتغدو مجة السيكارة ألذ، ورشفة الفنجان والكأس مختلفة.. والضحكات تفرقع بصوت اعلى، رياضة للروح لا للجسم!
نعم، هي لعبة لتنمية الذكاء، وجعل الشهيق والزفير اعمق، وضربات القلب اقوى وأكثر انتظاماً، وتدخين السكائر اكثر .. وفي انتظار فريق اللعبة، قد تقرأ الجريدة قراءة متمعنة، او تستغرق في قراءة كتاب او قصيدة، او تخوض جدلاً فكريا حول موضوع ما.. يوصلك الخلاف فيه حدّ الارهاق.. ثم غسيل الارهاف بلعبة طرنيب او ما شاكلها .. ودائماً توجد "مفاجأة" تقطع الرتابة.
الطريف ان كل لاعب من اللاعبين الاربعة في لعبة الطرنيب مثلا، يوزع الورق بطريقته: ورقة ورقة، اثنتان، ثلاثة .. او اربعة.
"ذاكرة للنسيان" او "مكافئ موضوعي" للارهاق العقلي، او وقت للعمل، وآخر للقراءة .. ثم هذا الوقت: لعبة الشدّة، او شيش بيش .. تفريغ للشحن الزائد، او شحن جديد.
نقلاً عن جريدة "الأيام"