حسن البطل
ثلاثة مربعات بيض في شبكة الكلمات المتقاطعة، وعليك أن تملأها بالجواب الصحيح: عملة أوروبية!
انقضى زمن عملة "لير" الإيطالية، و"الدراخما" اليونانية و"بيزيتا" الإسبانية وجميعها رخيصة، واستبدلوها بـ "اليورو" الذي حل مكان "المارك" القوي و"الفرنك" الفرنسي.. وأما بريطانيا و"ليحفظ الله الملكة" على بنكنوت الاسترليني.
السؤال في شبكة اقتصاد دول الاتحاد الأوروبي (27 دولة) هو: هل يتفكك الاتحاد، أو تنسحب الدول المفلسة (اليونان، وإسبانيا والبرتغال) من منطقة اليورو؟
إيطاليا على حافة الإفلاس، والاقتصاد القوي في فرنسا وبريطانيا خضع لخفض درجة الائتمان من AAA درجة واحدة، ويبقى أنف اقتصاد "دولة المرسيدس" الألمانية فوق مستوى الماء.. إلى أن يتعب البنك المركزي الألماني والبنك المركزي الأوروبي من ضخّ عشرات مليارات اليورو في اقتصاديات الدول المفلسة أو المتعثرة.
إذا اهتزّ الاقتصاد الأميركي، منذ أربعة أعوام (بنك ليمان براذر)، اهتزت اقتصاديات العالم، ولكن إذا اهتزت اقتصاديات "اليورو" في الاتحاد الأوروبي اهتزّ الدولار، أيضاً. هذه شبكة عنكبوتية للعملات، مثل شبكة الإنترنت.
ما الذي اهتزّ في إيطاليا فهزّ أسواق العالم المالية، بدءاً من سوق "اليورو"؟ عادت شبه الجزيرة الإيطالية، وهي أشبه بساق تركل كرة هي جزيرة صقلية، إلى عادتها القديمة، أي "الحكومات الطليانة" قصيرة العمر (الأردن وإسرائيل مثلاً)!
الانتخابات الأخيرة الإيطالية، أنتجت سيناريو الرعب السياسي، حيث لا تتوفر غالبية حزبية للحكم المستقر، وعلى أحزاب هذا البلد أن تطلب الطبّ السياسي الإغريقي، حيث اضطرت أقصى أحزاب اليسار واليمين والوسط في اليونان إلى تشكيل ائتلاف حكومي، لتقويم بلاد سقراط وأرسطو وأفلاطون من خطر الغرق.
يقولون إن سكان بلاد أوروبا المتوسطية يحبون الحياة والمرح و"قيلولة الظهر"، بينما شعوب أوروبا الشمالية محبة للكدّ والعمل والإنتاج.
هذا تفسير بسيط وسطحي، فالحالة السياسية الإيطالية مزمنة وليست طارئة، منذ كانت إيطاليا موطن أكبر حزب شيوعي خارج المنظومة الاشتراكية ـ السوفياتية، إلى أن حكمها زعيم حزب يميني ومليونير يحب "الحياة الحلوة" (دولتشي فيّتا) هو سيلفيو برلسكوني، حليف واشنطن!
كان بالميرو تولياتي أقوى زعيم شيوعي خارج الدول الشيوعية، ولكنه كان مستقلاً في شيوعيته، كما هو حال تيتو في يوغسلافيا المنحلة، ومن ثمّ رفض الغزو السوفياتي لأفغانستان 1980.
الأمين العام التالي للحزب أنريكو برلنغوير ترك بصمته القوية في الأحزاب الشيوعية وفي المعادلات السياسية الإيطالية، عندما اقترح صيغة "التسوية التاريخية" أي تحالف حكومي بين الشيوعيين والحزب الديمقراطي. أميركا لم تكن تريد شيوعيين في حكومات إيطاليا.
هل هذا غريب؟ كلا، لأن اليساريين والشيوعيين يتداولون كتاب أنطونيو غرامشي عن المثقفين والثورة، وخيانات المثقفين للثورة.
في النتيجة، وصل مليونير متصابٍ وفاسد وحليف وثيق لأميركا إلى حكم إيطاليا، مع حزب غير أيديولوجي بالمرّة (قوة إيطاليا) ثم مع قائمة حزبية غريبة "شعب الأحرار".
بلاد الأيديولوجيا في موسكو وبكين نزعت عنها الأيديولوجيا، وأوروبا نحو "يسار جديد" ويمين جديد، والآن بابا جديد بعد الذي استقال لأول مرة عن الكرسي الرسولي منذ سبعة قرون.
روما التي حكمت العالم القديم (آه من حلمي ومن روما) عاجزة عن حكم نفسها، وتأليف حكومة ائتلافية مستقرة (ربما على الطليان التعلم من أحزاب إسرائيل؟).
المسألة أبعد من هذا، لأن إقليم الباسك في إسبانيا يريد استقلالاً أكثر من كونه "ذاتياً" وكذا في المملكة المتحدة حيث تميل أسكتلندا للاستقلال، وأيضاً، في إيطاليا المقسومة بين شمال أوروبي غني وجنوب متوسطي فقير، خاصة في جزيرة صقلية بلاد آل كابوني وبلاد الثأر Vedetta (هذا في السينما!).
إما ينجح يسار ـ الوسط في ائتلاف حكومي مع يمين ـ الوسط، وإما يعود اليميني الفاشي سيلفيو برلسكوني إلى الصعود مرة أخرى ومعه شيء من الاستقرار.
إذا حقق كوميدي إيطالي سابق اختراقاً غير حاسم في الانتخابات، فإن إعلامي تلفزيوني إسرائيلي حقق اختراقاً آخر، وهذا وذاك في بلاد كانت "مؤدلجة" وانتهت في إيطاليا إلى فوز راقصة تعرٍّ بعضوية البرلمان.. لماذا لا؟ ألا يتعرّى السياسيون؟
نقلاً عن جريدة "الأيام" الفلسطينية