توقيت القاهرة المحلي 19:32:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قلبه جمرة عيناه كريستال!

  مصر اليوم -

قلبه جمرة عيناه كريستال

مصر اليوم

  لكنه يحكي كما تحكي جمرة في كأس من الكريستال. كيف كان سيحكي لو أنه قطم طرف لسانه. قال لي، في انعطافة مفاجئة، لحديث طلي أنه يحلم، بل ويهم أن يفعل. "ليتني بلا لسان". كان الوسن مثل فراشة تنتقل من جفوني الى جفونه، وكان الطريق طويلاً بين موسكو وليننغراد. كانت وجهة القطار عاصمة القياصرة، وكانت وجهتنا في سان بطرسبرغ متحف الأرميتاج. كان السهل ابيض في نوفمبر! تخيلته، بسهولة تامة، أبكم أخرس. رأيت، بوضوح تام، أن قلبه هو الجمرة؛ وأن عينيه هما زجاجتان من الكريستال. قال لي: عوفيت. هذا هو المرام؛ مرامي. في ردهات "الأرميتاج" حظيتُ بدليلين: هو، وزوجتي. حظيت برؤيتين خفيفتين للوحات "المرحلة الزرقاء": رؤيته ورؤية زوجتي. كان بيكاسو "مجنوناً" وكان مصطفى الحلاج "مجنوناً"، وزوجتي "مجنونة" مثلهما. الرسامون مجانين حقاً! بفضل جنون هذين الرسامين التشكيليين، حظيتُ معهما بما لا يحظى به زوار ذلك "الأرميتاج"، أو "اللوفر الروسي". من الردهات الفاخرة، قادتنا الدليلة الروسية (بعد ايماءة من رأس مرافقنا الحزبي د. سيرغي سيرغييف، الى قبو، وإلى ضوء شحيح. كل تلك اللوحات الحديثة (في أوانها) الطلائعية - التطلعية، المتفلتة من ثقافة البروليتاريا الفنية والتشكيلية.. كانت هناك، محجوبة بستارة "الواقعية الاشتراكية". في ذلك القبو، وأمام تلك الروائع، لم يكن لمصطفى الحلاج لسان بالمرة .. وكانت عيناه مثل جمرتين في كأس من الكريستال. لا يوجد، حسب ظني، كريستال غير أبيض، لا توجد، حسب يقيني، جمرة غير حمراء. لسبب ما خرجت الجمرة من كأس الكريستال، لكثرة ما اشتهت عناق الخشب، الذي يحفر عليه، او يحرقه، النحات مصطفى الحلاج. لا يمكن اطفاء النار بالنار. خرجت الجمرة من قمقم كأس الكريستال، والتهمت "الأساطير" التي حفرها الحلاج، ثلاثين عاماً .. ثم لم ترتو. ذاقت طعم شواء جلد لحمه. كان "بروميثيوس" يحمل الشعلة في يده. وأما مصطفى الحلاج فقد كان يحمل الجمرة في قلبه .. ولوحاته التي لم تكن، قط، للبيع، اشترتها شهوة النار لخلود الرماد ... واشترته ايضاً إلى نوع من خلود المأساة. قطار في السهل الروسي يسعى إلى أفق بعد الأفق بعد الأفق، جعلني صديقاً للحلاج.. فهل كنت صديقه؟ يا ليتني كنت صديقه! لوح ومعنى كان عمي "لويِّحا" إذا كانت الدبكة دبكة. قال رفيقي طلعت في قبرص. كان أبي شجي الصوت اذا كان العرس عرساً. قال رفيقي طلعت. عدت، مع "أولاد العم"؛ أولاد عم "لزَم" كما يقولون. عدنا حطام فريق تحرير المجلة المركزية. عاد توفيق الى كنف العائلة؛ وعاد طلعت الى كنف العائلة.. وأنا عدت الى كنف البلاد. لن تلحق بي أمي العجوز، التسعينية، من دمشق الى رام الله، كما لحق ولدا العم ليعيشا، سنوات قليلة، قرب الأب.. وليقوما، على التوالي، بواجب الابن في دفن ابيه بمراسيم عائلية لائقة. بدا لي "أبو طلعت" مثل هرّ هرم، أو، بالأحرى، في مثل رشاقته الغاربة، كان "لويِّحا"، وكان ذا صوت شجي .. لكنه كان صفحة من تاريخ اللجوء، وتاريخاً كاملاً في حياة المخيم. شيء ما، جينة ماء، جعلت طلعت سديد الفكر، نير العقل، كان عليّ أن أعود الى البلاد مع الرفاق، اولاد العم، لأعرف سر الحساسية المفرطة. كان طلعت قد ورث هذه الجينة النبيلة من والده. كنا نتعب وقوفاً من حكاياته الطويلة - المشوقة، وكان يرويها واقفاً على قدميه. كان ينشدها. كان يمثل، بحركاته الرشيقة، وقائعها .. واخيراً، تأتي تلويحة الغياب. كيف أمد يدي، من رام الله، لأصافح صديقي؟ كيف اقبل وجنتيه وأضمه، وأقول له: "البقية في حياتك"؟ لم يكن الموت - موتا عادياً في بيروت، ولم يكن عاديا في قبرص .. وفي البلاد عدنا الى "الموت العادي" قضاءً وقدراً، دون ان نغادر زمن الموت الاستثنائي! هلال "بعل" كم قرناً / ذراعاً للهلال؟ ثمة حقل هلالي على مرمى نافذة بيتي الغربية. مجرد قطعة أرض تخلو، على غير العادة، من شجرة مثمرة او حرجية. مجرد قطعة ارض هلالية الشكل لا ينفك المحراث عن قلب تربتها بين فصل وفصل، ولا ينفك ثوبها الأخضر عن التجدد في فصلي الربيع والصيف. مجرد سفح تلة جرداء من الاشجار. مجرد حقل للزراعة الفصلية الحثيثة، من بقوليات وخضروات تحيط به الاشجار. في وسط ذلك الهلال، او في البقعة الاكثر انخفاضا منه، تتشكل، في السنوات المطيرة، في أيام "المربعنية" بركة من الماء. إذا رأيتها من نافذة المطبخ اصدق أن السماء جادت بالغيث حتى أروت. أحيانا تبدو البقعة لحافاً ابيض من الثلج. احيانا تبدو هلالاً طينيا. أحيانا تبدو هلالاً أخضر. هذه السنة امطرت و"أروت" قبل ان تهل "المربعنية" .. وتشكلت تلك البركة .. التي لا تلبث ان تغدو خضراء فصلاً كاملاً من العام. أسأل بائع الخضروات في القرية: بندورة بلدية؟ نعم. من هناك؟ نعم. لعلها مجرد عادة أن "استطعم" خضروات البعل. لعلها مجرد عادة أن ألقي نظرة من نافذتي الى تعاقب الجدب والخصب. هذه بلاد "بعل" أليس كذلك؟! نقلاً عن جريدة "الأيام"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قلبه جمرة عيناه كريستال قلبه جمرة عيناه كريستال



GMT 14:24 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان... في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 14:22 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة مُغَيّبة والتدوير باقِ!

GMT 10:43 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قرن البولندي العظيم (حلقة 2): اكتئاب ومشاكل

GMT 10:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة هوكستين... وعودة الدولة

GMT 10:40 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عيد عُمان... ومعنى الأعياد الوطنية

GMT 10:38 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

السّمات الدولية لسياسة ترمب

GMT 10:37 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قمة الرياض: أمن الإقليم مرتكزه حل الدولتين

GMT 10:35 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

«ترمومتر» الوطنية!

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:02 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أردوغان يؤكد أن الأمم المتحدة عاجزة عن حل الصراعات في العالم
  مصر اليوم - أردوغان يؤكد أن الأمم المتحدة عاجزة عن حل الصراعات في العالم

GMT 12:06 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا توضح أسباب غيابها عن رمضان للعام الثالث
  مصر اليوم - شيرين رضا توضح أسباب غيابها عن رمضان للعام الثالث

GMT 09:59 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

GMT 06:27 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

باريس هيلتون تحتفل بعيد ميلاد ابنتها الأول في حفل فخم

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:40 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

بايرن ميونيخ يتعرض لغرامة مالية بسبب الالعاب النارية

GMT 10:02 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 10:09 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 01:58 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الكهرباء

GMT 19:30 2018 الخميس ,06 كانون الأول / ديسمبر

الفنانة نجلاء بدر تعلن وفاة عمها عبر "فيسبوك"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon