حسن البطل
أخرسوا الأكاديمية د. معيان أغمون، وأرغموها على الاعتذار، لكنهم صمتوا إزاء زعيم "شاس" آرييه درعي.
معيان، من جامعة حيفا، قالت في سياق محاضرة عن علم الاجتماع: "توجد ثقافات مختلفة (للشعوب). لليهود توجد الكارثة، وللعرب توجد النكبة". القائلة سليلة جيل ثالث وعائلتها عاشت رعب الكارثة (المحرقة ـ هولوكوست).
درعي قال: "يوم الكارثة لا يلزمنا كأصوليين"، فقد احتفل نفر منهم، في حديقة ليست بعيدة عن متحف الكارثة "يد واسم" بيوم تحرير الحلفاء ليهود في معسكر أوشفيتز، بالشعراء والغناء.. والشجار الحاد مع منتقديهم.
إذا كانت ترجمة "المصدر السياسي ـ عطا القيمري" دقيقة، فهناك تغيير في وصف "قتلى" حروب إسرائيل كما اعتادوا النعت إلى "شهداء" معارك إسرائيل.
في يوم قتلى حروب إسرائيل، حصلت واقعة ذات مغزى: إسرائيل يهودية وليست ديمقراطية.. إلاّ لليهود. رئيس الأركان بيني غانتس وضع علماً صغيراً على قبر الجندي القتيل رقم (25578)، لكنه لم يضع علماً صغيراً على قبر جندي آخر دفن في مقبرة عسكرية غير "يهودية" لمجرد أنه جندي ينتمي إلى مئات آلاف الوافدين لإسرائيل من ما صار يعرف "أسرة الدول المستقلة" واليهودي مات قبل نصف عام وغير اليهودي مات قبل شهرين؟
وعد الفريق، رئيس الأركان، أن يضع علماً على قبر الجندي غير اليهودي في العام المقبل، لكن لم يعد أن يدفن في مقابر الجنود اليهود.
ربما الأمر يعنيهم في التفريق بين موت و"قتيل" و"شهيد" لكنه يعنينا، أيضاً، لأن "مقبرة الشهداء" في مخيم شاتيلا ـ لبنان، تضم رفات شهداء سقطوا وهم فلسطينيون مسلمون ومسيحيون، وعرب، وحتى مقاتلون من شعوب غير عربية، واعتاد الفلسطينيون أن يكفنوهم جميعاً بالعلم الفلسطيني.
شاعرنا القومي أخذ عن شاعر عالمي قوله: "نيسان أقسى الشهور".. ولا تقلّ بقية شهور العام عن ذكريات فلسطينية قاسية، فهناك آذار ونيسان وأيار وحزيران.. إلخ!
أمس، بدأت إسرائيل احتفالات تأسيسها، حسب التأريخ العبري، وفي نيسان "تمطر" مناسبات يهودية، فقد أحيوا يوم "المحرقة" ثم يوم قتلى الجيش، ثم يوم تأسيس الدولة، ومعه إحصائية عن عديد يهود إسرائيل بالمناسبة، وفي السنة العبرية إحصائية أخرى، وكذلك في السنة الميلادية، وربما في حرب ("يوم كيبور" ـ "الغفران").
قد تكون مصادفة أن يحرر الحلفاء سجناء معتقل أوشفيتز في تاريخ ميلادي قريب من إعلان تأسيس إسرائيل.. فلماذا يجمعون المناسبات لتطال الاحتفال بيوم القتيل الإسرائيلي، رغم انتقادات في السنوات الأخيرة، قد تفضّل إحياء اليوم بما يصادف (حرب أكتوبر) ("كيبور" ـ "الغفران") 1973، حيث سقط أكبر عدد من الجنود منذ "حرب استقلال إسرائيل" التي سقط فيها 6000 يهودي.
لا يوجد تفصيل لتوزيع القتلى الـ 25578 سوى أن 6000 سقطوا عامي 1947ـ1948، وحوالي 2400 في (حرب أكتوبر) 1973، و2493 في "عمليات عدائية ـ إرهابية"، علماً أن خسائر الجيش الإسرائيلي خلال حرب لبنان 1982 تزيد على خسائره في حرب 1967 وتقلّ عن خسائره في حرب 1973، وهناك تقدير بأن الخسائر في الصراع مع الفلسطينيين، قبل إقامة إسرائيل وبعدها، تزيد على خسائرها إزاء الجيوش العربية.
في يوم من أيام إحياء ذكرى "المحرقة" حلّقت طائرات حربية إسرائيلية من طراز (F16) فوق معتقل أوشفتيز وإليه ينظم يهود إسرائيل حجيجاً سنوياً، ومن غير المنظور في المستقبل البعيد أن تحلق طائرات سلاح الجو الفلسطيني فوق قرية "دير ياسين"، علماً أنه لولا المذبحة فيها لما قامت دولة إسرائيل، حسب اعترافات بن ـ غوريون وبيغن!
"نيسان أقسى الشهور".. وكذلك آذار، وأيار وحزيران، في نيسان اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية، وسقط "أمير الشهداء" أبو جهاد.. إلخ! وشاعرنا يقول: "ادفنوا قتلاكم.. وانهضوا".
ما الذي يفسر وجود موجتين ربيعية وخريفية لاحتفالات إسرائيل بالفصح اليهودي (خروج مصر)، وبالكارثة، وبقتلى الجيش، وإعلان الدولة، وفي الخريف، أيضاً؟
إنها ذات جذور تعود للحضارات ما قبل الديانات السماوية، أي لتقديس فصل الربيع (يقظة الحياة) وفصل الخريف (الموت).
الكارثة اليهودية لم تشمل يهود العالم، لكن النكبة والنكسة والاحتلال مسّت كل فرد من الشعب الفلسطيني، فهي أبعد أثراً في تكوين ثقافته "ينبغي القول إنهم، أيضاً، اجتازوا كارثة، وينبغي أن تحترموا ثقافتهم" قالت الأكاديمية معيان.. فأخرسوها!
بعد مجزرة صبرا وشاتيلا، قال بيغن: "غير يهود قتلوا غير يهود.. فما ذنب اليهود".. أو "نازيون قتلوا يهودا فما ذنب الفلسطينيين".
نقلاً عن جريدة " الآيام الفلسطينية "