حسن البطل
وضع الأديب السوري، حنّا مينه، عنواناً شعرياً لإحدى رواياته: "الثلج يأتي من النافذة". للشعراء والروائيين شرفات ونوافذ، ويبدو أنه صار للساسة نوافذ لا يأتي منها الثلج والريح، بل يأتي منها الحل، الذي لا يأتي من الأبواب (باب يأتيك منه الريح سِدُّه واستريح)؟
أخيراً، استخدم السيد جون كيري النوافذ في شهادته أمام الكونغرس، وقال إن نافذة فرص دولة فلسطينية قد تُغلق خلال عام إلى عامين، أي في منتصف ولاية أوباما الثانية والأخيرة.
في الحرب يستخدمون مصطلحات أخرى، مثل "ساعة الصفر" أو "يوم الأمر"، ومن هذه المصطلحات خطاب نتنياهو عن مشروع قنبلة إيران النووية في الأمم المتحدة.
كان عالم الاجتماع الإسرائيلي، ميرون بنفينستي قد استخدم اصطلاحاً آخر منذ عقود من السنوات، وقال إن الاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية "وصل نقطة اللاعودة"!
إذا أُغلقت "نوافذ الفرص" خلال سنة أو سنتين إزاء "الحل بدولتين" فهذا يعني نسخاً للمواعيد الأميركية المضروبة سابقاً لقيام دولة فلسطينية في العامين 2005 ثم 2008.
إذا انصرمت السنة والسنتان وأغلقت نوافذ فرص قيام "الحل بدولتين" فهذا يعني أن رئيساً أميركياً آخر فشل في إيجاد حل.. أو في "لَيّ" ذراع إسرائيل!
كان الرئيس بوش ـ الابن قد سوّغ، بهذا الوضوح أو ذاك، تعديل الحدود بين فلسطين وإسرائيل، لجعله متحركاً نحو مبادلات أرضية ـ جغرافية، والرئيس أوباما، عبر وزير خارجيته كيري، اقترح على الجانبين عودة إلى التفاوض بالتوازي بين أمن إسرائيل وحدود الدولة الفلسطينية، وهو ما رفضته إسرائيل من حيث المبدأ.
من حيث "نافذة فرص" أمام المبدأ، اقترح كيري بوادر حسن نيّة إسرائيلية، قالت إسرائيل إن نصفها مربوط بنصفها الآخر، أي مباشرة المفاوضات أولاً، مع تكرار قبول نتنياهو مبدأ "الحل بدولتين" ولكن مربوطاً باعتراف الفلسطينيين، بهذه الصيغة أو تلك بيهودية إسرائيل.
من الواضح أن حديث كيري عن "نافذة الفرص" لا يهبّ منها الثلج، بل ريح الضغط على الجانبين، فقبل زيارته الأخيرة مهّد لها برسالة 100 شخصية بارزة يهودية ـ صهيونية أميركية تحثّ إسرائيل على التحرّك والليونة وقبل الحل الأميركي المقترح.
الأوروبيون، أيضاً، انضموا إلى الضغط، ووضعت 13 دولة بطاقات تمييز على منتوجات المستوطنات، ثم انضمت مجموعة من 19 سياسياً أوروبياً كبيراً وسابقا إلى الضغط في رسالة إلى وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، كاترين أشتون، وفيها أن على على أوروبا أن تميز بين إسرائيل في حدود 1967 وبين الأراضي الفلسطينية، ودون هذا فإن "الأجيال الأوروبية المقبلة لن تغفر للأوروبيين امتناعهم عن القيام بعمل لوقف استمرار هدم حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير".
هذه أول إشارة إلى "عقدة ذنب" أوروبية إزاء حقوق الشعب الفلسطيني، بعد أن استثمرت إسرائيل طويلاً عقدة ذنب أوروبية إزاء اليهود، ويبدو أن على الولايات المتحدة أن تشعر بالذنب أكبر من هذا إزاء الفلسطينيين وفلسطين، لأنها الداعم الأول لإسرائيل في كل مجال أمني وسياسي واقتصادي.
الرئيس أوباما خاطب الإسرائيليين "لستم وحدكم" في كل ما يتعلق بأمن إسرائيل، لكن "ضعوا أنفسكم مكان الفلسطينيين"، ووعد كيري بزيارات متلاحقة للمنطقة لإقناع إسرائيل بالأمن مقابل الدولة، ثم جاء تشاك هيغل بصفقة أمنية كبرى لإسرائيل، التي رفضت فكرة كيري لمرابطة قوات أميركية في الأغوار والدولة الفلسطينية.
وسيلة الضغط الأميركية الأخرى على إسرائيل هي رسالة من الإدارة إلى الكونغرس تشير إلى أن مصلحة الولايات المتحدة وقف عقوباتها المالية على منظمات الأمم المتحدة التي تقبل عضوية دولة فلسطين فيها.
المعنى؟ مظلة أمنية أميركية لإسرائيل، لكن إذا أغلقت نوافذ الحل، فإنه لا مظلة أميركية سياسية لإسرائيل التي ستواجه خطر العزلة الدولية.
وأخيراً، انتقدت الخارجية الأميركية سياسة إسرائيل في التمييز ضد مواطنيها الفلسطينيين، وهضم حقوق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
يبدو أن الولايات المتحدة مصممة على "الحل بدولتين" بمقدار تصميمها على علاقة استراتيجية بإسرائيل... لكن، إن أغلقت نافذة الفرص حول "الحل بدولتين" فلن تتأثر علاقتها الاستراتيجية بإسرائيل.. وهنا المشكلة.
من يهزّ الآخر؟ الرأس أم الذيل؟
نقلاً عن جريدة " الأيام الفلسطينية "