حسن البطل
في وقت ما، مكان ما حصلت هذه الواقعة: شاب فلسطيني أو غلام، نقَّف بـ "الشعب" بنورة فأصابت عين جندي إسرائيلي.
هذه مصادفة، أو "رمية من غير رام"، أو كما يقول السوريون واللبنانيون: "أصاب عين الديك". الديك هنا جندي يحمل بارودة، والبارودة فيها جهاز تسديد "تنشين" والطلقة، المطاطية، المعدنية الحيّة قتلت وأقعدت وجرحت عدداً لا يحصره عد من فتية راشقي الحجارة، بذريعة "حياة الجنود في خطر"!
لا أذكر أن جندياً إسرائيلياً، في المقابل، فقد حياته من رشقه حجر، لكن رشقة قرب الخليل تسببت في انحراف سيارة مستوطن وتدهورها ووفاة ابنته الصغيرة.
إسرائيل تعاملت مع الحادث كعملية "إرهابية"، ثم عممت تهمة الإرهاب على الرشق بالحجارة، واعتقلت شباناً بهذه التهمة، وتوفي أحد الشبان تحت وطأة التعذيب.
قبل فترة وجيزة، اشتكى جنود مدجّجون أنهم يضطرون للتراجع مثل كلب ذيله بين قائمتيه، أمام راشقي الحجارة، وطالبوا بتعليمات فتح النار بشروط أقل تشدداً من المعمول بها، وسارع ساسة ونواب وجنرالات، أيضاً، إلى التجاوب.
تتطور المشكلة من جنود وشبان، حجارة وطلقات إلى مواجهات بين غلاة مستوطنين ومواطنين، لا يقف فيها الجنود "قوة فصل" بل قوة حماية ودعم لـ "فتيان التلال"!
في بداية مواجهات المستوطنين والمواطنين، كان غلاة المستوطنين يرفعون شعار "رد صهيوني ملائم" أي إقامة بؤرة استيطانية في مكان لقي فيه مستوطن مصرعه، أو إقامة بؤرة على اسمه.
غالباً، تقوم حكومة إسرائيل بحثّ أو تسويغ أو تشريع البؤر، التي تتطور إلى مستوطنة، وهذه إلى سلسلة مستوطنات متقاربة منذ بعض السنوات، وخصوصاً بعد صيحة شارون لشبان التلال: "اصعدوا كل تلّة" وتضاعف عدد المستوطنين بمئات النسب المئوية، صار "فتية التلال" يرفعون شعار "شارة ثمن" وهي نمط من الاعتداءات بلا سبب معين، أخذت تطال الشجر والبشر والبيوت ومصادر المياه وأماكن العبادة الإسلامية والمسيحية، وحتى تخريب الأملاك مثل السيارات.. ولا توفر حتى التعرض بالسخرية من جنود الجيش الإسرائيلي أو التحامل على ضباط هذا الجيش بالبصاق أحياناً، وبالاتهام بالنازية، بمن فيهم قائد الضفة الجنرال نتسان ألون!
في مقابل التعامل مع رشقات الحجارة كعمليات إرهابية، ترفض القيادة السياسية الإسرائيلية العليا توصيات من قيادات الأمن الإسرائيلي بالتعامل مع عمليات متشعبة ومتمادية لـ "شارة ثمن" بالمثل، بل تعتبرها تجاوزات غير مسموح بها من تنظيمات مستوطنين غير معترف بها.
هذا التعامل المزدوج أدى إلى أن ينقل غلاة الشبان المستوطنين عملياتهم من الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى أراضي دولة إسرائيل، وحتى إلى القدس بشطريها.
إسرائيل لا توفر الشبان الفلسطينيين القاصرين من رماة الحجارة لا من طلقات البنادق، ولا من الإصابات القاتلة أحياناً، ولا من الأحكام القاسية بالسجن.
في المقابل، يستخدم المستوطنون شباناً قصّر تحت سن المحاسبة القانونية لتنفيذ عمليات "شارة ثمن" التي امتدت من مناطق الاحتكاك بين المستوطنة والقرية في الأراضي المحتلة، إلى مناطق وقرى في إسرائيل كانت تعتبر مثالاً للتعايش، كما حصل مؤخراً في "أبو غوش".
يستطيع رئيس اسرائيل شمعون بيريس، ومفتش شرطة إسرائيل، وسياسيون ومثقفون وآخرون أن ينددوا ويدينوا هذه الأعمال، لكن العبرة هي أن غلاة المستوطنين يتشجعون من غلاة السياسيين المتطرفين الذين ينكرون على الفلسطينيين ليس فقط سلاح الحجارة، بل الحقوق السياسية، أيضاً، ومن ثم فطالما حذّر البعض في إسرائيل من أن مشروع الاستيطان لا يحتل أراضي الفلسطينيين وحقوقهم، بل يهدد باحتلال دولة إسرائيل، أيضاً، وجعلها دولة عنصرية صريحة.
لا مقارنة بين خطورة المستوطنين اليهود و"الكولون" الفرنسيين المعمّرين في الجزائر، لكن هؤلاء الأخيرين مارسوا الإرهاب في الجزائر تحت اسم "الأقدام السوداء"، ثم نقلوا الإرهاب إلى فرنسا تحت اسم "الجيش السرّي".
السعار سعار في المستوطنين الفرنسيين، وفي البيض في جنوب أفريقيا، لكنه هنا سعار أخطر على فلسطين وإسرائيل.
كان في فرنسا ديغول، وليس في إسرائيل ديغول.
نقلاً عن جريدة " الأيام الفلسطينية "