حسن البطل
سألت صديقاً سؤالاً عابثاً وافتراضياً: ماذا لو وقفت في "ميدان المنارة"، حاملاً يافطة عليها هذه العبارة "أنا شيعي"؟! ضحك الصديق وقال: ستطعمك الشرطة "علقة" لحمايتك أن يطعمك الناس "قتلة".
من شناعة قتل مريعة في قرية أبو مسلّم ـ محافظة الجيزة ـ مصر المحروسة طالت وحرمت حيوات أربع، لم أستطع رؤية شريط "الفيديو" وصديق آخر لم يكمله.. لكن علمت أن شيعة مصر 1% فقط من شعبها.
زمان قبل آفة "الربيع العربي"، عنونت إحدى مقالاتي: "إذا مرضت مصر". قال الشاعر الرومانسي: "ليلى في العراق مريضة".. لكن مرض مصر استشرى، واهتزّت ركيزة ما كان يعرف بـ "العالم العربي" الذي دخل ليلاً طويلاً.. يمكن مائة عام لقدام.
تنازعني نفسي لنشر خمسة أبيات شعر قالها أبو علاء المعرّي، لولا خشيتي أن يشطبها رئيس التحرير، فأكتفي منها بالبيتين الأول والأخير:
"عجبت لكسرى وأشياعه/ وغسل الوجوه ببول البقر
"فواعجبي من مقالاتهم/ أيُعمى عن الحق كل البشر".
.. وأما بقية الأبيات الثلاثة فهي تعيب على أتباع الديانات التوحيدية/ السماوية الثلاث جنوحهم إلى حمأة التعصُّب.
من يطفئ أوار هذه الحمأة التي تضرب العالمين العربي والإسلامي؟ ربما أن يخرج مسلمون سُنّة إلى الشوارع مع يافطات "أنا شيعي" "علوي" "درزي" "إسماعيلي"، كما خرج يهود في العالم وعلى صدرهم "بادج" عليه عبارة "أنا صهيوني" وقت أدانت الجمعية العامة الأيديولوجيا الصهيونية.. ثم ألغت القرار بعد "أوسلو"!
1 % من مسلمي مصر شيعة، و10% من مواطنيها أقباط هم أصل مصر، وأن تعلو حمأة التعصُّب السُنيّة الإسلامية حتى على ما يشدّ قرى مصر من روابط في قرارها وأطيافها.. فالأمر خطير جداً.
تريدون الصراحة؟ كانوا، بعد "كامب ديفيد" يقولون بحسرة "عدّينا سينا.. وعدّوا مصر" والذين عدّوا مصر ليس يهود إسرائيل وأميركا فقط، لكن حمأة التعصُّب الوهابية التي ضربت مصر و"احتلتها".
الأمر خطير، لأن الحمأة في العراق وسورية ولبنان أشبه بخسوف القمر، لكن الحمأة في أرض الكنانة أشبه بكسوف الشمس.. ليس ساعات بل زمناً طويلاً أخشى أن يكون كالدهر، كما كانت حروب الكاثوليك والأرثوذكس في أوروبا زمن الباباوات.
بالطبع، لست شيعياً، لكنني فلسطيني عربي مسلم (بهذا الترتيب) وقبل صفة فلسطيني فأنا "ديمقراطي" والديمقراطية هي حماية الغالبية للأقلية ولو من باب "الجار قبل الدار".
نعم، يعجبني في المذهب الشيعي اجتهاده في أمور الدين والدنيا، وهذا الاجتهاد هو من جعل المذهب "فرقاً" شيعية مختلفة، أكثر من اختلاف المذاهب السُنيّة الأربعة.
في زمن مضى، كانت مصر شيعية أي فاطمية، وكانت المغرب للمرابطين، وهم فرقة شيعية، وكان الصفويون الشيعة يحكمون العراق.. وكان الصليبيون يحتلون فلسطين ومناطق في بلاد الشام.
ماذا فعل الكردي صلاح الدين الأيوبي؟ خاض معارك مع الصليبيين، وأيضاً، من أجل كسر شوكة الفرق الشيعية في مصر والمغرب والعراق.
ماذا فعل عبد القادر الجزائري؟ أثارت بريطانيا وفرنسا قلاقل في لبنان وسورية بين الدروز والمسيحيين، أو بين المسلمين والمسيحيين، فما كان منه إلاّ أن أطفأ أوار الفتنة عام 1860 بفتح بيته الرحب لحماية اللاجئين إلى كنفه من الأقليات المختلفة.
الأمر مخيف، لأن "جبهة النصرة" سيطرت على مدينة الرقة في سورية، ورداً على معارضة بعض الناس لها من تنظيم "حقنا" سيّرت مظاهرات تهتف: "لا علماني ولا خوّان.. بدنا يحكم القرآن"، "طز.. طز حرّيّة.. بدنا خلافة إسلامية". أي خلافة؟ راشدية، أموية، عبّاسية.. أو عثمانية؟
أرجو أن تجتاز مصر قطوع 30 حزيران، ولا يضطر الجيش إلى التدخل لمنع الاقتتال الداخلي.. وأجل عودة احتفال المصريين بموسم الحسين، وأن يذهب المسلمون إلى مقام الست زينب في سورية، والعتبات المقدسة في العراق شيعة وسُنّة معاً.
صحيح، أنني فلسطيني عربي سُنّي، والسُنّة 1300 مليون والشيعة 200 مليون، لكنني ديمقراطي أولاً، والديمقراطية هي حماية الغالبية للأقلية وليست فتنة لإبادة 200 مليون شيعي وربما مثلهم من السُنّة". إذا اقتتل مسلمان فالقاتل والمقتول في النار".
هل أخشى القول: إذا كان حال شعوب الأمة هكذا، فلسان حال الشعب الفلسطيني: خلّينا تحت الاحتلال كم سنة أخرى.. لأننا، وحدنا في مواجهة العدوّ الحقيقي.
نقلاً عن جريدة " الايام الفلسطينية"