توقيت القاهرة المحلي 00:55:32 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حياة؟!

  مصر اليوم -

حياة

حسن البطل

"الطيراوية طخوا البحر" أهي واقعة أم تشنيعة؟.. لا أدري. رواية أمي مريم (رحمها الله) للواقعة أن طيراوياً نزل البحر مزلبطاً، فأخذت موجة أواعيه.. ثارت ثائرته وطخ البحر بمرتينية، فذهب مثلاً على يباس راس الطيراوية في سائر فلسطين قبل النكبة. في النكبة طخطخ الطيراوية من سن 14 إلى سن 60 (طيرة حيفا ــ طيرة الكرمل ــ طيرة اللوز) على اليهود، وكانت الطيرة آخر موقع عربي ساحلي سقط بعد إقامة إسرائيل بشهرين تقريباً، في تموز 1948.. ورحلت الولايا والنساء في نيسان من ذلك العام. استمعت إلى روايتين، بعد عودتي، عن شدة بأس أهل قرية هي الأكبر، مع ترشيحا، في الجليل الأول من ابن عم عزمي بشارة في ترشيحا، والثانية من إميل حبيبي في رام الله الذي روى كيف كان شبان الطيرة يغلقون أسواق حيفا في أيام الإضراب الكبير (ستة أشهر): "سكّر يا عرصة سكّر". إلى الأبد سترن أهزوجة رسمية، ابن خالة أمي، في قرية الكبابير الـمجاورة للطيرة، ما إن قيل لها: "أجا ابن مصباح". هزجت: "قال عيسى البطل.. يللا ميت فارس على الأفراس هبوا" وأكملت ضاربة كفاً بكف: "راح الطيراوية.. راحوا" رحنا ولايا ونسوة.. وراح الرجال الطيراوية بعدنا من الحصار.. لكن الطيراوي حسين مصباح البطل، أخي الكبير وباكورة الوالد مصباح، بقي جريحاً جرحاً ثخيناً عشر سنوات، ثم تسلل إلى لبنان فأعادوه.. فإلى الضفة وسورية. بادل النفي عن الوطن بالنفي عن العائلة.. ثم ندم! إلى حسين، أبو مصباح، أرسلت صورة الشجرة حيث تركه أبي جريحاً، ثم أرسلت بواسطة الـمخرجة ساهرة درباس كيسين صغيرين من تراب الطيرة.. ثم رأيت، في الفيلـم فقط، فيلـم "حفنة تراب" أخي حسين مشلولاً بشلل نصفي يشم التراب، ويتلو وصيته، وصية أمي النافذة: تراب الطيرة تحت راسي في القبر بالـمنفى.. في مؤتمر مدريد 1991 سأل فيصل الحسيني زميلي الـمراسل أحمد عبد الحق: من أي بلد هو حسن البطل؟ من الطيرة! أي طيرة؟ طيرة حيفا.. التي طخ أهلها البحر! إنها الطيرة الكبيرة، طيرة الطيرات طراً.. لي الشرف الوطني أن جدي، عيسى البطل، كان قائد كتيبة "الكف الأسود" في ثورة عز الدين القسام (مات حسرة على ولده حسن أول الـمنفى في سيلة الظهر، قرب جنين). لي الشرف الفلسطيني أن أبي وعمي وأخويّ الكبيرين قاتلوا في حصار الطيرة، وأن أخي الأصغر سعيد ــ أبو مشهور (تسعة شهور في زمن الرحيل) سقط في بداية الثورة الـمعاصرة. من جميع الرجال الطيراوية عاد إلى أرض البلاد ثلاثة: أنا ومحمد ابن عمي "غير اللزم" ــ غزة، وهو جريح حرب بيروت، وابن الخال قائد جبهة التحرير الفلسطينية أبو العباس (محمد عباس). لـم أطلق على أحد طلقة واحدة، خلاف الطخيخة الطيراوية زمن النكبة وزمن الثورة. سألني، في نيقوسيا، العام 1995، على هامش مؤتمر دولي، الجنرال الإسرائيلي ــ الـمستعرب متنياهو (ماتي) بيلد.. هل والدك حي! هل لدى أمك مفتاح البيت. علـمت أنه حارب ضد ثوارنا، لأنه ولد في مستوطنة "كريات موتسكين" شمال حيفا.. وصار نصير سلام فلسطيني ــ إسرائيلي، ونائباً عابراً في الكنيست. في عام النكبة الـ 50، روى أخي عبد الرحمن، في "الأيام"، قصة بطولة الطيرة، مزورة بخريطة وصارت شهادته جزءاً من كتاب عن طيرة حيفا، صدر عن جامعة بيرزيت. بعد أوسلو، توسل أخي أبو مصباح أن أسعى لعودته.. عبثاً كلفت الـمحامية نائلة عطية، والـمحامي صبري جريس بالتفتيش عن رقم هويته الإسرائيلية في "أرشيف الدولة".. وعبثاً كانت الـمحاولة. شاخ عميد العائلة، حسين أبو مصباح، ومات بعد سنة من شلل نصفي.. ثم موت سريري، وتحت رأسه حفنة من تراب الطيرة في مقبرة دوما قرب دمشق عن 81 سنة، أي أكثر بتسع سنوات من معدل عمر الفلسطيني. سامح الله العقيد بسام، رئيس استخبارات فلسطين في الجيش السوري (ربما سابقاً) لأنه كتب في سجلي: ممنوع إلى الأبد من دخول سورية.. جزاء وفاقاً لزلات قلـمي! ستنوب عن حضوري حفنة تراب نابت عن حضوري وفاة أمي.. وحفنات أخرى تنتظر موت عجائز الطيراوية في الـمنفى السوري. وأنا؟ سأقتبس من الربيع بن خيثم قوله: "لو فارق ذكر الـموت قلبي ساعة.. لفسد"!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حياة حياة



GMT 14:24 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان... في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 14:22 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة مُغَيّبة والتدوير باقِ!

GMT 10:43 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قرن البولندي العظيم (حلقة 2): اكتئاب ومشاكل

GMT 10:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة هوكستين... وعودة الدولة

GMT 10:40 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عيد عُمان... ومعنى الأعياد الوطنية

GMT 10:38 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

السّمات الدولية لسياسة ترمب

GMT 10:37 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قمة الرياض: أمن الإقليم مرتكزه حل الدولتين

GMT 10:35 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

«ترمومتر» الوطنية!

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 20:45 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025
  مصر اليوم - مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 14:08 2018 السبت ,21 إبريل / نيسان

اختاري كوشات أفراح مبتكرة في موسم صيف 2018

GMT 01:35 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

عبد الله السعيد يفجر المشاكل بين كوبر وأبوريدة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon