حسن البطل
زعل مني أساتذة وموظفون وطلبة في جامعة بيرزيت .. لمّا كتبت أن الجامعة كانت الرائدة ولم تبق كذلك .. لكن البعض منهم أثنى وزادني علماً بمشاكل الجامعة .. أصولاً وفروعاً.
ماذا أقول في مستهل سنة جامعية جديدة، تحمل في طياتها أزمة متجددة، يراها بعض الطلبة، او اتحاد طلبة الجامعة المنتخب "مطلبية" وقد أراها أعمق من ذلك، فهي بنيوية وأكاديمية، وجزء من "أزمة نمو" في التعليم الجامعي الأكاديمي في فلسطين .. نمو عشوائي وغير مخطط؟
في آخر ما كتبت عن أزمة جامعة بيرزيت كان الموضوع سؤالاً عن موقع الحرية الأكاديمية من منع القنصل البريطاني في القدس من القاء محاضرة، وفي ازمة سابقة عن رجم سياسي فرنسي زائر بالحجارة والمخاشنات، لأن رأيه لم يعجب البعض.
في الحقيقة أستزيد علماً بأسباب مشاكل وأزمات الجامعة من مقالات "عميدها" المؤسس حنا ناصر، وأساتذتها، وفي أسباب الأزمة الجديدة من مقالة د. مهدي عرار - عميد كلية الآداب ("الأيام" - الأربعاء ٤ أيلول) عالجت مقالة د. عرار أزمة إغلاق بوابات الجامعة (للمرة الثانية او الثالثة؟) بالسلاسل، احتجاجاً على رفع الأقساط، ومن ثلاث وجهات نظر: قانونية، تمثيلية، وأخلاقية مهنية .. والمجال يضيق عن نقاشها المهني، وخلاصتها: الإضراب شكل نقابي مقبول، وأما الإغلاق فهو شكل غير مقبول.
غير مقبول لماذا؟ لأن ما كانت الجامعة الرائدة بين جامعات فلسطين، هي التي كرست مبدأ التمثيل النسبي لمجلس طلبتها، وهذا التمثيل النسبي هو صورة لممارسة التعددية الديمقراطية في آراء الطلبة، والتعددية الفكرية والسياسية في المجتمع .. وغالبية الطلبة تتضرر من الإغلاق!
يقولون في المسألة الديمقراطية أن: لا ديمقراطية بلا ديمقراطيين، ولا ديمقراطيين بلا مؤسسات ديمقراطية منتخبة ليس لمرة واحدة، وانما بعد تقليد راسخ.
لكن، ماذا يقال في المسألة الأكاديمية؟ ربما لا أكاديميين بلا جامعات، ولا جامعات بلا حريات أكاديمية في القول وفي الفعل والممارسة غير التعسفية.
يرى طلبة اغلقوا بوابات الجامعة - الرائدة سابقاً، أنها لا تطبق شعارها "التعليم حق للجميع" في مسألة نظام الأقساط الجامعية، وفي مراعاة الطالب غير المقتدر مع الطالب المقتدر.
نعم، التعليم حق للجميع .. ومجاني في المدارس الرسمية، وغير مجاني في المدارس الخاصة، لكنه في الجامعات خلاف ذلك، ليس فقط في جامعات البلاد، لكن في معظم الجامعات العالمية، التي ترفع الأقساط سنة بعد اخرى.
أعرف نسبة المتعلمين الى الأميين في الشعب الفلسطيني، لكن لا أعرف نسبة الأكاديميين الى المتعلمين، ولعل نسبتهم عالية في الشعب الفلسطيني (ربما اكثر من ١٠٠ ألف جامعي - أكاديمي) لأسباب موضوعية: أين يذهب خريج المدرسة؟ الى الجامعة، وجامعاتنا ذات تمويل ذاتي غالباً ومساعدة حكومية قليلة، وبعض المنح من جهات فلسطينية وأجنبية.
أنا خريج جامعة دمشق، التي كانت شبه مجانية بأقساط تسجيل رمزية، وربما كانت جامعات سورية وعراقية ومصرية شبه مجانية .. لكن معظم جامعات دول العالم ذات أقساط تزداد من سنة الى أخرى، وبعد زيادة كبيرة في الجامعات البريطانية، صار طلاب إنكليز يبحثون عن جامعات في خارج البلاد.
الفارق بين الجامعة الفلسطينية وجامعات أجنبية عريقة ان ربط الجامعة بحاجات المجتمع ضعيف عندنا، وقوي في جامعات العالم، التي قد تموّل بعض نفقاتها من بحوثها، وأيضا من المتبرعين الأسخياء.
بريطانيا، مثلاً، أتخمت فوق حاجتها من خريجي الكليات العلمية على حساب حاجة البلاد الى حرفيين ومهنيين، بينما أتخمت جامعاتنا بخريجي الكليات النظرية .. ومن ثم الى "سوق العمل" الضيق!
غير مقبول، وغير صحي، ان يفوق عدد الجامعات الفلسطينية عدد الكليات المهنية والاختصاصية، وليس من الضرورة ان يطرق معظم الناجحين في الثانوية أبواب الجامعات، ولا ان تستوعب الجامعات اكثر من طاقتها لمجرد زيادة دور الأقساط في إدارة ميزانيتها، لأن تضخم أعداد الأكاديميين يستدعي زيادة الكادر الأكاديمي والوظيفي، وزيادة نفقات الجامعة بالتالي.
الإصلاح الأكاديمي يبدأ بإصلاح المنهاج الدراسي، وزيادة فروع الاقتصاد الأخرى على استيعاب المتعلمين غير الأكاديميين ولكن المهنيين.
انظروا الى حوانيت رام الله، وكيف يجد عمال الديكور عملاً، وكيف قد لا يجد خريجو كليات الهندسة المدنية عملاً!
لا أعرف هل أجبت على مناشدة مديرة العلاقات العامة - جامعة بيرزيت ان أدلي بدلوي في أزمة الإضراب والإغلاق والأقساط والعجز المالي للجامعة والجامعات، او احتجاج علي المناصرة - جامعة النجاح التي تحاول سد بعض نفقاتها من جيوب الطلاب الفلسطينيين المغتربين، بدفعهم الى "التعليم الخاص" (ضعف الرسوم تقريباً).
نقلاً عن جريدة الأيام