توقيت القاهرة المحلي 00:55:32 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حسيب الجاسم

  مصر اليوم -

حسيب الجاسم

حسن البطل

مات الذي كان يفعل ما يعجز عنه الساحر هوديني؟ لحبة البطاطا الطازجة، كما للبيضة المسلوقة الطازجة "أجنحة". مات العراقي - الفلسطيني حسيب الجاسم باستسقاء الرئة في السويد. الذي حمل رشاش الفدائيين في الأغوار، والريشة في مجلات المقاومة، وعدة الإخراج الفني كان حقيقياً جداً، وقصته واقعية جداً. لكن، جوازات سفرنا إن كانت حقيقية وغير واقعية، وإما واقعية وغير حقيقية، ومن ثم، لا تفرخ البيضة صوصاً لا يطير، بل يصير للبيضة المسلوقة وحبة البطاطا الطازجة، ان تستعير "أجنحة" خاتم تجديدات جواز السفر .. ثم نطير من مطار الى مطار ومن منفى الى منفى، ولكن ليس مطارات الدول التي منحتنا الجواز، ولن تمنحنا تجديده، لأن سياسة المنظمة لم تعد تعجبها. هذا في زمن جوازات ما قبل زمن جوازات "قزحية العين" وتوابعها. هذا في الزمن الفدائي الجميل، وقد عاشه حسيب الجاسم من أوله حاملاً رشاشه في الأغوار، ثم حاملاً ريشته في لبنان، ومهارة رسام الكاريكاتير وعدة المخرج جعلته "ساحراً" يجعلنا نطير مع جواز سفر مجدّد بواسطة البيضة وحبة البطاطا! في قبرص، قال لي المخرج للمجلة المركزية للمنظمة: هل تعرف ما هو أقصى وجيب للقلب والرعب؟ إنه ليس الهجوم من ضفة النهر الشرقية إلى ضفته الغربية، بل الانسحاب صعوداً على سفح رملي رخو لضفة النهر الشرقية، بينما تلعلع صليات الرصاص من الضفة الغربية للنهر. كلما زرت جنين أزور مقبرة شهداء الجيش العراقي: هنا يرقد الضابط معلوم الاسم والجندي معلوم الاسم، إلى جانب صف الضابط والجندي مجهول الاسم (اسمك مجهول وفعلك خالد) جنود عراقيون عرب وغير عرب، مسلمون سنة وشيعة، جنود أكراد، وآشوريون ايضاً. قطعة من جسد شعب العراق في جسد ارض فلسطين. جنود فيلق عراقي. النخوة العراقية هي ما تبقى من نخوة عربية. حسيب الجاسم وآلاف العراقيين من مختلف الأديان والطوائف والقوميات والمذاهب، شكلوا ما يشبه "الفيلق العراقي" الثاني في صفوف الثورة الفلسطينية .. من الأردن الى لبنان، وكان حسيب من قلة رافقتنا الى المنفى القبرصي بعد معركة بيروت ١٩٨٢. نعم، كان حسيب مقاتلاً في "القيادة العامة" ثم كاريكاتيرست في مجلات الفصائل المعارضة للمنظمة، ثم مخرج المجلة المركزية. كان مع فلسطين الشعب والفصيل والثورة والمنظمة، لا فلسطين - الأوسلوية، وهكذا طار، ربما بالبيضة وحبة البطاطا، إلى أقصى الأرض في السويد، مع زوجته الكردية - السورية مها، وابنته براءة. يلام عرفات لموقفه من حرب الخليج، ولا يلام أبداً لأنه قاد ثورة ومؤسسات منظمة تضم آلاف العراقيين المنفيين - الهاربين من نظام صدام. انهم بعض افضل ما في شعب العراق: مقاتلون حتى الرمق الأخير في قلعة الشقيف، أدباء وفنانون وشعراء. شعب العراق الأكثر ثقافة عربياً، وهؤلاء "زبدة" الشعب، وجاؤوا بالمختلف العراقي الى المختلف - المؤتلف الفلسطيني، مع متمردين لبنانيين وسوريين ومصريين (نعم: كانت المجلة المركزية تحتويهم بين جناحيها). كل قصص الموت والبطولة، وكل قصص الحب والغرام، وكل أنواع الزيجات صنعت هذا البهاء الثوري والإنساني وبوتقة الحركة الفلسطينية المسلحة. ماتوا كما يموت الفلسطينيون، وقاتلوا كما يقاتلون، واحبوا وتزوجوا كما الفلسطينيين. لهم قبورهم في جنين. في الأردن. في لبنان.. والآن، كما الفلسطينيين في المنافي .. وتفرقوا كما يتفرق الفلسطينيون، بعد بيروت .. وقبل أوسلو. الابنة براءة، خبيرة علم النفس، في أميركا، والأم مها عادت من السويد الى سورية تارة ولبنان تارة، وحسيب مثواه ارض السويد .. ثم حصل هذا اللغز: رسالة عبر الفيسبوك من Anglic BooBoo ذات عربية متينة. كيف هذا؟ أنا ابنة حسيب، واسمي براءة صديقة ابنتك، وهذا الاسم حتى لا يزعجني المرض آخر الليل .. ثم: آه يا عمي .. مات أبي وصديقك حسيب؟ كان لشعار المجلة المركزية ألوان العلم الوطني الأربعة، لكن حسيب رسم الخريطة بندقية كما فعلوا، ثم رسم الشمس سوداء. لماذا سوداء. يا حسيب؟ لا أرى في حياتي الفجر يا رفيق؟! مات عاشق العراق وكاره نظامه. مات عاشق فلسطين وكاره سلامها .. ومن لم يمت بصلية رصاص في الأغوار، او بالاغتيال والقصف في لبنان.. مات باستسقاء الرئة في أقصى الأرض. .. وفي السويد يقولون: مات رسام كاريكاتير لاجئ عراقي بارع. الرشاش أولاً .. والريشة أخيراً. صيف لعين، مات فيه ثلاثة من رفاق الدرب؟! نقلاً عن "الأيام الفلسطينية"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حسيب الجاسم حسيب الجاسم



GMT 14:24 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان... في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 14:22 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة مُغَيّبة والتدوير باقِ!

GMT 10:43 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قرن البولندي العظيم (حلقة 2): اكتئاب ومشاكل

GMT 10:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة هوكستين... وعودة الدولة

GMT 10:40 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عيد عُمان... ومعنى الأعياد الوطنية

GMT 10:38 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

السّمات الدولية لسياسة ترمب

GMT 10:37 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قمة الرياض: أمن الإقليم مرتكزه حل الدولتين

GMT 10:35 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

«ترمومتر» الوطنية!

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 20:45 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025
  مصر اليوم - مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 14:08 2018 السبت ,21 إبريل / نيسان

اختاري كوشات أفراح مبتكرة في موسم صيف 2018

GMT 01:35 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

عبد الله السعيد يفجر المشاكل بين كوبر وأبوريدة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon