توقيت القاهرة المحلي 00:55:32 آخر تحديث
  مصر اليوم -

موت العامل جمال؛ جيران، نوم القهر!

  مصر اليوم -

موت العامل جمال؛ جيران، نوم القهر

حسن البطل

سيذكّرك عشرون أديبا، ومائة مثقف.. ان كنتَ نسيتَ اسم مؤلف "موت عامل متجول".. وعليك ان تنسى المؤلف والرواية وقراءها ايضاً؟! في يوم من هذا الاسبوع، مات عامل بسيط (في الاصل)، وعتال غير بسيط (في رواية الحصار). كل العابرين - على لأي وعلى عجل - لممر سردا يعرفون العامل - العتال جمال.. من بيرزيت. يقول الكل، من عارفيه اصلاً، ومن تعرفوا عليه بين حاجز وحاجز، إنه طيب القلب، طيبة مفرطة، او انه بسيط العقل.. فمن غيره، وقلة ممن تقطعت بهم سبل رزق عيالهم، يمارسون نقل قوت الناس، على عربات بائع متجول؛ بائع يستلّ رزق عياله من صراخ الجنود على "المتسللين"؛ وصراخ المنتظرين على الجنود .. وصراخ الجميع على عمال النقل! في أيام بعينها تغدو المسافة بين حاجزين كأنها "حقل ألغام". لا تنفجر بين اقدام المتسللين تحت عيون الجنود المتربصة او بخداعها، بل رصاصات "طائشة" لانها قد تصيب مقتلاً مقصودا، وقد تصيب مقتلاً غير مقصود. هل طلقة في الجبين، بين العينين بالضبط، هي "طلقة طائشة" نقلت العامل - العتال جمال من دفع عربته، ذات العجلات المطاطية، بقوة قدميه (يعرج على احداهما).. إلى الموت؟! على سرير ما، في غرفة ما، من مستشفى رام الله يرقد العامل - العتال جمال على سرير"الموت السريري". عامل في الثلاثين ترك ثلاثة من عياله بلا معيل. * * * يقول الاطباء (تباً للأطباء) ان لا تنام على قهر، ولا تغالب نوم التعب. يقول اطباء الحرب ايضا، لا تجعل جريح الحرب ينام قبل ان يسترد ما فقده من دم نازف. قد ينسيك القهر فضيلة الصبر، فكيف لا ينسيك الجنود نصيحة الطبيب؟ الثامنة مساءً، يوم السبت، اخذتني "سنة من نوم" القهر، بعد ان استنزف الحاجز ذخيرة الصبر كلها: نوم منقطع تسلمك صحوته الى نوم اكثر تقطعاً.. ربما لأن الساعة البيولوجية لا تعترف بنوم القهر في الثامنة مساء.. لرجل كهل يراود السهر حتى الفجر. حشد من الناس، مئات منهم، يراوغون صبر الجنود تحت خوذاتهم. مجنزرة وعربة جيب والجنود يلجمون حركة الناس بمدفع رشاش.. عبثاً. ببنادق واصابع على الزناد.. عبثاً. بقبضة تلوح بقنبلة صوتية.. عبثاً، واخيراً بمطر من قنابل الغاز .. تبعثر الجمهور شذر مذر! لعبة خطرة بين "سد" ركيك من الحديد والجنود، وضغط شديد من الجمهور.. واخيراً، يفتح الجنود ثغرة بسيطة.. ثم يغلقون موجة العبور الثانية بمطر من قنابل الغاز. العروس الشابة تنتظر، و"الزفة" تنتظر معها. ومعهم تنتظر باقات ورد في ايديهم. الأم التي تحمل طفلا بذراع وتمسك بيد طفل آخر. تنتظر. المريض الذي يلوح لجنود المجنزرة بصور اشعة X ليعطوه اذن المرور. .. ايضاً، العجوز الشجاع، والمثقف الذي يجادل الجنود بالانكليزية، بالعبرية، وبالروسية. وبالبلغارية ايضا. .. وعلى الخصوص عمال نقال المتاع، الخضراوات، الزجاج ايضا، وحتى حديد حمايات النوافذ. هؤلاء اكتسبوا نوعا من "حق العبور".. الى ان صادرته منهم رصاصة بين عيني العتال جمال. * * * "الجيران" مسلسل تلفازي استرالي كوميدي. اما الجيران في مسلسل عبور الحاجز، فأمر آخر يتراوح بين الميلودراما والتراجيديا. الجار الذي يمنعونه عن مصلحته اليومية في "الحسبة"، ويسمحون لولده اليافع. انه يلعب "الشدة" مع الجيران، ويتابع توجيه النصائح "البلفونية" الى ولده. قد يرسب الولد في امتحاناته بين ادارة مصلحة ابيه وبين استذكار دروسه. الجار الشاب، الذي ينتظر مولودا ذكراً ثانيا بعد مولودته الانثى.. ولا يثق بجنود الحاجز اذا جاء المخاص امرأته، تقيم الزوجة لدى ذويها، ويجازف الزوج، مرة في الاسبوع - خاصة يوم الجمعة - بزيارتها.. انه يلعب "الشدة" مع جاره، ويرد على ثغاء ابنته على الهاتف : "تعال يا بابا". الجار الشاب الآخر، الذي لم يدفع ايجار شقته (لأن الرواتب تأخرت الى الغاية)، اضطر لارسال زوجته وولديه الطفلين الى قرية والده. الجار الطبيب الذي نقل بيته من المدينة الى القرية هربا من الحرب، ثم نقل بيته من القرية الى المدينة هربا من مشقات عبور الحاجز. الجيران من طلاب جامعة بيرزيت، الذين لا يعبرون الحاجز، ولكن لا ينقطع سؤالهم عن اهلهم المحاصرين في جنين، او سؤال اهلهم عن حالهم في الحصار. يقول أحد الجيران: كم انقلبت الآية؟ كنا، في الانتفاضة الاولى، الذين نغلق الطرق امام الجنود بالحجارة .. وكان الجنود يحاولون فتحها. العائلة الفلسطينية هي الخلية الاكثر صلابة في هذا الشعب. لكن، في هذا الحصار صارت الخلية الاكثر مرونة .. والأكثر تفككاً. نقلًا عن "الأيام" الفلسطينية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

موت العامل جمال؛ جيران، نوم القهر موت العامل جمال؛ جيران، نوم القهر



GMT 14:24 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان... في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 14:22 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة مُغَيّبة والتدوير باقِ!

GMT 10:43 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قرن البولندي العظيم (حلقة 2): اكتئاب ومشاكل

GMT 10:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة هوكستين... وعودة الدولة

GMT 10:40 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عيد عُمان... ومعنى الأعياد الوطنية

GMT 10:38 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

السّمات الدولية لسياسة ترمب

GMT 10:37 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قمة الرياض: أمن الإقليم مرتكزه حل الدولتين

GMT 10:35 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

«ترمومتر» الوطنية!

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 20:45 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025
  مصر اليوم - مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 14:08 2018 السبت ,21 إبريل / نيسان

اختاري كوشات أفراح مبتكرة في موسم صيف 2018

GMT 01:35 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

عبد الله السعيد يفجر المشاكل بين كوبر وأبوريدة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon