توقيت القاهرة المحلي 00:55:32 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بغل يفهم "قانون الاستطاعة"

  مصر اليوم -

بغل يفهم قانون الاستطاعة

حسن البطل

بغل ذكي، يفهم، بالسليقة، ما تيسر له الفهم من قوانين الجاذبية، التي تستبعد بعض قوانين الحركة لذلك البغل، وللبغال كلها "ايطلا ظبي" كما قال امرؤ القيس، ولكن ليس لأي بغل "ساقا نعامة". امرؤ القيس فارس شاعر، او شاعر فارس، واما ذلك "الطنبرجي" الذي يسوط "أيطل البغل" فهو فلاح على الأغلب، او ربما حراث صار، في زمن حواجز الحصار، يتكسّب بنقل الناس المتعبين بين الحاجزين. على الحواجز ينحط الجنود الى قطّاع طرق، وينحط الحنطور الملوكي الى طنبر العوام، والحوذي الى طنبرجي.. لكن البغل يبقى بغلاً.. قد يفاخر، الحصان، والده غير الشرعي، بأن فخذيه (ايطليه) تليقان بعضلات بطل العالم في كمال الاجسام.. وقد يغار لان ساقيه ليستا في دقة "ساقي النعامة" التي كانت لفرس امرئ القيس.. ولا حتى في دقة ساقي الحمارة، والدته غير الشرعية. بغل ذكي، اكثر ذكاء من "الحصان الحديدي"، او السيارة. قبل المنعطف، يضطر سائق السيارة الى كبح السرعة عن طريق ناقل السرعة (الغيار بالعربية او "الغير" بالفرنجية، كما الكحول بالعربية.. وغير العربية). قبل نزول منعطف الحاجز، يغير البغل، دون حاجة الى سوط الحوذي، سرعته من المشي، او الخبب، الى العدو، وبعد صعود المنعطف يغير سرعته من العدو الى الخبب. يتسابق "الطنبرجية" بين الحاجزين، كما يتزاحم السائقون، خارج الحاجزين، على الدور، عن حق وعن زور. البغل يفهم الطريق و"قانون الاستطاعة" اكثر من صاحبه العاقل، او يفهم صاحبه اكثر مما يفهمه صاحبه. اول دروب البشر شقتها حوافر الدواب، او اظلاف القطعان. يتظاهر البغل الكهل بالأدب الجم، ويفسح في الطريق للبغل الشاب. لكنه، في الواقع، لا يحيد عن ادب.. الا لانه مدفوع بذكائه الغريزي، الذي صقله العمر والتجربة، فالطريق المستقيم اقصر الطرق، حقاً، لكن بعض "التعرجات" الخفيفة تشكل تحالفاً مع قانون الاستطاعة: أقل جهد لصعود درب معبد، مع أقل تبديد للطاقة.. لان سنابك البغل (والحصان والحمار) تنزلق على اسفلت الطريق. لو ان هذا السيد الفراهيدي عاصر زمن الاسفلت تحت سنابك الخيل والبغال، لربما اضاف لذكاء الدواب الفطري بحراً آخر غير بحر يتيم هو بحر "الخبب". لو ان السيد الفراهيدي عاصر زمن "الكاسيت" لاضاف الى بحور الشعر من تناغم الايقاع بين صوت سنابك البغل، على طريق - حاجز سردا، وصوت "الدبكة" وموسيقى "الشبابة". الناس تدبك عدواً وتدبك خبباً! معظم الطنابر التي تجرها البغال على دروب الحواجز زمن الحصار، مزودة براديو كاسيت، تصدح بايقاع الدبكة، ربما لان هذا الايقاع يطرب آذان الركاب والدواب ايضاً، ويستحث البغل على مراودة قانون الاستطاعة... ما استطاع. لا يجفل البغل لو "طرقع" الحوذي بسوط يستحثه على نقل سرعته من الخبب الى الجري. كان الفارس المقنّع "زورو" فارس طفولتنا، فهو يرسم بكرباجه الطويل والرشيق حرف Z، وكان طرزان بطل طفولتنا، فهو يتنقل من شجرة الى شجرة، موظفاً قانون الجذب المركزي وقانون الطرد المركزي. .. وفي شبابنا جعلنا كوستا غافراس يساريين زيادة عندما صنع لنا فيلم Z عن الاغتيال السياسي، عن الطغاة والأحرار. وعن الامبريالية والشعوب الثائرة. كرباج الطنبرجي مجرد سقط متاع من انبوب بلاستيكي اسود يستخدم في البناء الحديث، بديلاً لانابيب معدنية، واما "القيود" التي يكبل بها جنود الاحتلال ايدي الناس، فهي استخدام، مبتذل وجهنمي، لادوات ربط الاسلاك في البناء الحديث بعضها الى البعض. على تلك الحواجز مارس الجنود قانون الاستطاعة الخاص بهم الذي هو القوة، وعليها مارس الناس قانون الاستطاعة الخاص بهم.. الذي هو سعة الحيلة.... واما البغال، وحيوانات الجر، فهي التي جعلت "قوة الحصان" مقياساً من مقاييس قانون الاستطاعة بغل بقوة حصانين في غياب سيارة بقوة 18 حصاناً. راكباً على الطنبر الذي يجره بغل قوي، او بغل هرم، مجرب وذكي، اكتشفت ان ظهر البغل "يتلوى قليلاً، كما يتلوى ظهر الفقمة في ماء البحر. هذه طريقته التكتيكية في تطبيق جانبي لقوانين الاستطاعة.. واما مصممو السيارات التي لا تتلوى، فقد احتالوا بالشكل الانسيابي، ووضعوا له معادلة ميكانيكية، او "ايرودناميك". ما الذي تغير؟ كان الحوذي الماهر يرتقي الى درجة "كونستابل" ايام حروب الممالك على ظهور الخيل. واما الجندي المحتل فقد انحط، بعد تعادل "قانون الاستطاعة" الاحتلالي مع "قانون الاستطاعة" المضاد للاحتلال.. الى مجرد قاطع طريق. نقلاً عن جريدة الأيام

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بغل يفهم قانون الاستطاعة بغل يفهم قانون الاستطاعة



GMT 14:24 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان... في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 14:22 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة مُغَيّبة والتدوير باقِ!

GMT 10:43 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قرن البولندي العظيم (حلقة 2): اكتئاب ومشاكل

GMT 10:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة هوكستين... وعودة الدولة

GMT 10:40 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عيد عُمان... ومعنى الأعياد الوطنية

GMT 10:38 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

السّمات الدولية لسياسة ترمب

GMT 10:37 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قمة الرياض: أمن الإقليم مرتكزه حل الدولتين

GMT 10:35 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

«ترمومتر» الوطنية!

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 20:45 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025
  مصر اليوم - مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 14:08 2018 السبت ,21 إبريل / نيسان

اختاري كوشات أفراح مبتكرة في موسم صيف 2018

GMT 01:35 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

عبد الله السعيد يفجر المشاكل بين كوبر وأبوريدة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon