حسن البطل
غداً، لن أفطر على فجلة (رفوف البرّاد ملأى) ولن أتغدّى على "لحمة العيد" (بل سمكة مشويّة وبطاطا) وقد لا أدرهم أولاد جاري (هو على سفر، وهم إلى الضيعة في ترقوميا)، وقد لا أزور قبر الشاعر وقبر القائد (لأن صديقي نصري لا يزور البلاد).
العيدان، الصغير والكبير قد يكونان للمسلمين، أو قد يكونان مناسبتين لعطلة طويلة لموظفي الحكومة. لكن.. بالنسبة لي ليس في العيدين سوى تغيير إيقاع، أي احتجاب زاويتي اليومية ثلاثة أيام، بدءاً من الثلاثاء، أو احتجابها يومين في العيد الصغير.
علمت على "الفيسبوك"، من صديقي القديم، السوري حسن م. يوسف، محرّر "الوطن" أن زاويته ستحجب يوم الأحد، وجريدتنا ستحتجب يوم الثلاثاء إلى الجمعة، حيث يوم عطلتي الأسبوعية. سأُنزل مادة قديمة.
هذه سنة "كبيسة" في الأحزان، فقد رحل خمسة من أصدقائي (إبراهيم برهوم، فيصل قرقطي، أبو الوفا (محمد عوّاد) وحسيب الجاسم.. وأخيراً ابن الخال، مهندس المعادن ونقيب مهندسيها أحمد عباس، وقصة موته في المغرب جزء من غرابة الموت الفلسطيني، فقد غادر العراق، بعد الغزو، هارباً إلى المغرب.
جميع هؤلاء الموتى هم من جيلي (عمري) أو أصغر قليلاً. دبيب الموت يقترب مني ومن شعبي في المنفى، الذي يهاجر هرباً من الاضطهاد إلى الموت في عُباب البحر، الذي ابتلع، مؤخراً، ثلاث زهرات ـ ملائكيات يرتدين "يونيفورم"، كأنهن ذاهبات إلى العيد.
في النية، وحدها، إنه العيد الكبير الأخير، ومن ثم تحتجب زاوية "أطراف النهار"، رغم أن صديقي قال: "التوقف عن الكتابة موت قبل الموت، وسأَدْبِك، العيد المقبل، سنوات السبعين، علماً أن الصحافيين في إسرائيل يتقاعدون، مهنياً، في سن الـ 67.
صرفت من عمري 41 عاماً صحافياً، كانت جميعها، عملاً دؤوباً لا عطلة فيها، كمحرّر في إذاعة بغداد، ثم محرّر في المجلة المركزية ـ بيروت ثماني سنوات، لا عطلة أعياد فيها، وأخيراً مديراً للتحرير في قبرص لا عطلة أعياد فيها.
عملت أقل من عام في صحيفة شبه ـ رسمية، شبه منظماتية هي "فلسطين اليوم"، قبل أن أتكرّس لهذه الزاوية اليومية، أو تتكرّس لي. أجمل ما في العمود اسمه.. ربما!
سأكون، في أيام العيد أو المناسبة أو تغيير الإيقاع، منصرفاً إلى "تدابير منزلية" مثل رفع الغسيل الجديد عن المنشر، وتوضيب الغسيل القديم عن كراسي غرفة الضيوف إلى الخزانة، ومسح أرضية البيت من الغبار، ثم فرش السجاد، لأن هذه سنة قياسية الصقيع منذ 100 سنة، كما يقولون.
يتذكّر اللاجئون أعوام "الثلجة الكبيرة" مستهل عقد الخمسينيات من القرن المنصرم، حيث مات جدود وأطفال، تحت الخيام، من الصقيع، كما يموتون اليوم في "الربيع العربي"، أو في الهجرة من بلاده. هل الموت في البحر أحنّ علينا من الموت في "دول الربيع العربي"؟
كثير من الأصدقاء أغلقوا حساباتهم على "الفيسبوك" أو حتى أغلقوا هواتفهم لأن العيد يأتي كئيباً بشكل استثنائي. لا بدّ من الحزن.. لا بد من الفرح؟
تصادفت أيام العيد مع موسم قطاف الزيتون، يُقال إنها سنة شلتوتية، لكن الخبر المفرح يأتي من سلفيت، حيث ننتصر في مباراة "اقطع واحرق" الاسرائيلية، وازرع واغرس الفلسطينية، ففي العام الحالي سيزرعون 750 ألف غرسة زيتون، وغرسوا مثلها في العام السابق!
صحيح أنني ضد "حماس" شكلاً وموضوعاً، لكن النفق الحديث الجديد شمالي القطاع، "لخم" الإسرائيليين، بعد "لخمتهم" في سلسلة من الأحداث القاتلة الجنائية ـ الوطنية!
بدلاً من حصان طروادة هذه الأنفاق، وبدلاً من تفوق العدو في الجوّ والمدرّعات تحاول بناء "أكثر الأنفاق الإرهابية إتقاناً خلال السنوات الأخيرة".. وهذا هو النفق الثالث من نوعه في الفترة الأخيرة.
كلام مناسبات على وتر العيدين، أو المناسبتين أو الإيقاعين، وإلى اللقاء يوم الجمعة.
الايام""