حسن البطل
للسيد ياسر عبد ربه تعبير، بسيط وبليغ، نريد دولة يسهل على أولادنا رسمها.
لا أسهل، علينا وعليهم، من رسم جغرافي لفلسطين ـ الخارطة، وتعليقها حلية في الأذنين أو حلية في الرقبة!
فلسطين ـ السياسية، أي التقسيم الثاني لفلسطين ـ الجغرافية، سوف يخيّب رسمها أولاد وأحفاد ياسر عبد ربه.
هي، كأرض محتلة، قبل الاستيطان، تبدو سهلة الرسم: شيء يشبه حبّة فاصولياء (أو كلية كائن ثديي) تسمى الضفة الغربية، وما يشبه "مصران أعور" داخلي يسمى قطاع غزة!
حبات البطاطا تبدو، شكلاً متقاربة أو متشابهة. صحيح أن حبّات الزنجبيل تشبه، لوناً، حبات البطاطا، لكن شكل الدولة الموعودة لن يكون سهل الرسم كحبة الفاصولياء، بل صعب الرسم مثل حبات الزنجبيل!
كان للضفة خط هدنة حدودي مع إسرائيل، وصار لها، مع الجدار الفاصل والكتل الاستيطانية، خط حدودي مضاعف الطول.
صحيح أن مطلب الفلسطينيين السياسي الراهن هو تعديل طفيف على خط الهدنة الحدودي، لكن مطلب الإسرائيليين خلاف ذلك، أي رسم جديد للحدود، يجعل حدود إسرائيل مع الدولة الفلسطينية أشبه بحبة الزنجبيل!
.. هذا علماً، أن إسرائيل لم تقبل، رسمياً بعد، مبدأ التعديلات الحدودية الطفيفة أو الفادحة، علماً أن المطلب الدولي هو دولة فلسطينية مكافئة المساحة للأراضي الفلسطينية قبل احتلالها.
قضايا الخلاف في الحل النهائي خمس أو ست أو سبع، لكن المسألة الحاسمة هي: حدود سيادة فلسطين، وحدود أمن إسرائيل، وهي متداخلة.
وجهة النظر الأميركية الجديدة هي أن ترسيم الحدود (حدود فلسطين ـ إسرائيل غرباً، وحدود فلسطين ـ الأردن شرقاً) سوف يحلّ مسألتي المستوطنات والمياه، ويفترض مع مبدأ" قدس عاصمة دولتين"، أن يمهد الحل لأعقد مسائل الخلاف.
تقول إسرائيل،أو تزعم، أن الجدار العازل حل، جزئياً، مسألة أمن إسرائيل إزاء فلسطين، وحقق "عودة يهودية" لاستيطان "يهودا والسامرة"، أيضاً، مع حوالي نصف مليون مستوطن، معظمهم في القدس الشرقية والكتل الاستيطانية.
ماذا عن الأغوار، حيث تمارس إسرائيل سيادة فعلية، وسيطرة أمنية مطلقة، مع وجود استيطاني متنامٍ؟ تقول إسرائيل إن الغور جزء من الأمن الإسرائيلي الاستراتيجي، علماً أن ما كان "الجهة الشرقية" صار شذراً مذراً.
وافق الفلسطينيون على تجريد دولتهم من السلاح، لكن لن يوافقوا، قط، على سيادة فعلية إسرائيلية على الأغوار، ولا حتى على سيطرة أمنية إسرائيلية طويلة الأمد، لكنهم يقبلون وجوداً أمنياً دولياً، وهو أمر لم تقبله إسرائيل، بعد، مع أنه اقتراح قديم.
أرى من المهم، بالنسبة لحدود دولة فلسطين مع الأردن، نزع السيادة الإسرائيلية، أكثر من قيود السيطرة الأمنية الإسرائيلية، لأن القوات الفلسطينية قد لا تكون قادرة على تأمين هذه الحدود من الناحية المادية (كلفة القوات) أو من الناحية اللوجستية.
يمكن، مع نزع السيادة الفعلية الإسرائيلية على الأغوار، والتنمية الفلسطينية الحرة، تحويل المستوطنات اليهودية إلى مشاريع استثمارية دولية ـ مشتركة، أي مناطق زراعية وصناعية تطوير مشروع "رواق السلام".
إذا قبلت إسرائيل تعديلات حدودية متكافئة غرباً قد يكون ممكناً قبول سيطرة أمنية مشتركة (فلسطينية ـ إسرائيلية ـ دولية) على الغور ومرتفعاته.
المهم، أن لدى الفلسطينيين أفكارهم حول أمن إسرائيل وسيادة فلسطين، وحول شروط سيادة الدولة الفلسطينية، وحول العلاقات التجارية مع إسرائيل، وأولاً حول ترسيم الحدود، بينما ليس لإسرائيل أفكار نهائية ومبلورة حول ترسيم الحدود.
لا تبدو المفاوضات الجارية محصنة من الفشل، مع أنها الأكثر جدية بالنسبة للولايات المتحدة وهي جادّة منذ رعايتها أوسلو إلى رعايتها حل الدولتين.
بعد 13 جلسة تفاوضية، منها اربع خلال عشرة أيام، يبدو أن المفاوضين انتقلوا من "أول الرقص حنجلة" أو جسّ النبض، إلى تكثيف التفاوض مع زيادة الدور الأميركي فيه، مع وعد بتدخل أميركي مطلع السنة قطعه كيري للوزراء العرب!
لا أحد يعرف عدد الجولات التفاوضية في مهلة الشهور التسعة، خاصة أن كبيرة المفاوضين الإسرائيليين لا ترى أجلاً زمنياً محدداً، كما لا ترى أن المفاوضات وصلت درباً مسدوداً.
لعل الالتزام بمواعيد تحرير سجناء ما قبل أوسلو يشير إلى التزام ما بإنجاح أصعب المفاوضات وأطولها.
نقلاً عن "الأيام" الفلسطينية