حسن البطل
هل تعرفون؟ كان لزميلي سعادة سوداح صفحات في "فلسطين الثورة" ـ قبرص اختار لها عنواناً: "جذور وأغصان" كما هي "شجرة" القضية الفلسطينية/ الإسرائيلية.
ما لا يعرفه غير عالم النبات والفلاح هو أن تاج كل شجرة (جملتها الورقية فوق الأرض) يشابه جذورها. السروة جذورها عامودية كتاجها، والبلوطة جذورها "شعثاء" كتاجها.
جذور المشكلة الفلسطينية ضاربة في التربة، ربما منذ هيرتزل أو منذ خراب الهيكلين: الأول والثاني (رواية الصهيونية) أو منذ الكنعانيين والفينيقيين (رواية فلسطينية)، أو منذ يهود خيبر (رواية إسلامية... إلخ)!
في الأسبوعين المنصرمين، تناولت الصحف رؤوس أفنان المشكلة (أي أعمق جذورها) كأنها رؤوس أقلام في الأخبار.
مثلاً: الرئيس الفرنسي، فرانسوا اولاند عقد أو ربط بين تجميد الاستيطان و"تجميد" حق العودة الفلسطيني.
مثال آخر: عاودت صحف إسرائيل، خاصة "إسرائيل هيوم" وضع قضية "النكبة" الفلسطينية بما تراه الهجرة اليهودية إلى إسرائيل من البلاد العربية.
مثال ثالث: نقلت "الأيام" خبراً عن جهة يهودية ـ صهيونية ـ إسرائيلية فكرة تعويض العائلات الفلسطينية في الضفة بمبلغ 100 ألف شيكل لتشجيعها على الهجرة.
.. وأخيراً، طرأ خلاف في صفوف طلاب الجامعات الإسرائيلية اليهود حول تنظيم لقاء موسع بين 400 طالب جامعي والرئيس الفلسطيني أبو مازن.
تعرفون أن "حق العودة اليهودي" إلى دولة إسرائيل متاح وفوري ومغطّى بإغراءات مالية وتسويغات تاريخية ـ فكرية ـ سياسية .. لكن .. إذا قال ليبراليون يهود إسرائيليون إن الصراع هو "بين حقين" فإن "حق العودة" الفلسطيني أمر تراه جماعة "ذكريات ـ زخروت" ممكناً، وتراه تسيبي ليفني محالاً.
في هذه "الجذور" أُلّفت كتب تاريخية ـ دينية ـ سياسية.. وعسكرية استراتيجية، أيضاً، وستبقى قيد النقاش، حتى لو أفلح جون كيري بمعجزة.
تعرفون أن المؤرخ بيني موريس وضع كتاباً مرجعياً عن نشوء مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، ثم ارتدّ، وقال: كان على إسرائيل أن تمارس التطهير العرقي إلى أقصاه.. ومن البحر إلى النهر (وربما ما وراء النهر)!
هل المحرقة ـ هولوكوست كانت ذات دور رئيسي في تأسيس إسرائيل، أم "الكتاب الأبيض" البريطاني كان عائقاً عابراً، أم الباعث هو "العودة إلى أرض الميعاد"!
المقارنة بين المحرقة والنكبة بوصفهما كارثتين إنسانيتين، تجر إلى رفض المقارنة بين "حق العودة اليهودي" وحق العودة الفلسطيني.
كان بيغن قد فسّر مذبحة صبرا وشاتيلا بقوله: "غرباء قتلوا غرباء.. فما ذنب اليهود". هل نقول: نازيون نكبوا اليهود فما دخل الفلسطينيين؟ أو ما دخل الفلسطينيين في هجرة العرب اليهود؟
يعيّرنا إسرائيليون بأن ضحايا الفلسطينيين بأيدي العرب يفوق ضحاياهم بأيدي الإسرائيليين.. وهذا حتى قبل ما لحق ويلحق بالفلسطينيين من مضاعفات الربيع العربي، وما قبله في لبنان والأردن.
الكفاح الفلسطيني هو "إرهاب" لكن لم يمارس اللاجئون أي "إرهاب" ضد اليهود العرب في الشتات، ولا عدد ضحايا الاضطهاد العربي لليهود العرب يقارن بشيء بضحايا الاضطهاد العربي للاجئين الفلسطينيين.
مما أذكره في طفولتي أن العلاقة بين يهود سورية واللاجئين إليها في دمشق ـ حي الأليانس في منطقة الشاغور، كانت جيدة (أبي كان يأخذني إلى طبيب يهودي).
وفي شبابي كنت في لبنان أيام الحرب الأهلية.. لم يسقط فيها يهودي واحد، بل أن أبو عمار أرسل حرسه الخاص لحماية الكنيس اليهودي في وادي أبو جميل من ميليشيات لبنانية حليفة.
حصل بعد دخول القوات السورية بيروت أن ذهبت إلى أسواق مركز المدينة، وكانت مدمرة ومحروقة، ولما عرفت من زوجتي مكتبة يهودية التقطت من خرائبها مخطوطة بالعبرية، وسلمتها إلى جوزيف طراب، اللبناني ـ اليهودي، وهو يعرف 12 لغة حيّة وميتة.
أخبرتني زوجتي أن طراب خطب في جمهور فرنسي بباريس بعد حرب حزيران، بلغة فرنسية ممتازة ضد الحرب، ثم سأل: هل تعرفون أنني لبناني يهودي؟
أما شلومو هليل، وزير البوليس الإسرائيلي الأسبق، فقد شهد أن الصهاينة هم من كان يلقي القنابل على المعابد اليهودية في بغداد.
لم أدخل كنيساً يهودياً في حياتي سوى مرّة في دمشق مع صحافي كندي ـ من كيبك، وصديق فلسطيني لاجئ من يافا هو صديق للحاخام أبو حمرا.. وهي قصة. إنها قصة تصلح لفيلم كوميدي ـ درامي، فقد كان الصحافي الكندي ساذجاً حتى البلاهة قال: هذا ليس يهودياً لأن أنفه غير "معقوف" (بمناسبة 29 تشرين الثاني ـ نوفمبر).
الايام