حسن البطل
يقول الزميل محمد دراغمة، بعد حديث مع مسؤول أوروبي ما معناه: قبول مشروع كيري غباء ورفضه غباء. حسناً، بين الغباء من ماذا يوجد؟ "التغابي" أو "التذاكي"؟
مشروع كيري مسابقة بين "الذكاء اليهودي" السياسي، و"الدهاء العربي" السياسي، علماً أن اليهود مغترون بـ "العقل اليهودي"، وعلماً أن ذلك في التطبيق السياسي على منوال: "لنقترح وليرفضوا هم بالنيابة عنا".
هناك من يقارن بين شرط إسرائيل للسلام العربي - الإسرائيلي وكان بعد حرب حزيران مجرد الاعتراف بدولة إسرائيل للانسحاب، وصار الآن "الاعتراف بيهودية إسرائيل".
هناك هذه "اللعم" التي تعلمها ياسر عرفات من كمال جنبلاط، فقد رفض الفلسطينيون تدخل الجيش اللبناني في بداية الحرب الأهلية، فقال جنبلاط: لا يحق للفلسطينيين رفض تدخل جيش الدولة .. قولوا "لعم"، وقالها عرفات لاحقاً في باريس: الميثاق القومي الفلسطيني "متقادم" أي "كادوك"!
كنت أسأل زميلاً ميّالاً للإسلام السنة: هل يجوز استخدام جواب "التقيّة" في الإسلام الشيعي، فتحفّظ، وقال: يمكن استخدام "التورية" مثلما فعل الرسول الأعظم عندما التقى أعرابياً سأله: من أين أنتم، فقال الرسول: نحن من ماء (الإنسان من ماء) فقال الأعرابي: أنتم من العراق!
هناك من يعلق على مشروع كيري معتمداً على الشعارات القديمة والمبادئ القديمة القومية والإنسانية والوطنية، بينما يعتمد مشروع كيري على حل الصراع "بين حقين"!
هناك في السياسة الرفض المبدئي، أو القبول المبدئي، او القبول المشروط، او "التحفظات"، وهي مهرب من الخصم الأميركي أمامكم والعدو الإسرائيلي خلفكم، او "أمامك روم وخلفك روم / فعلى أي من جانبيك تميل" كما قال المتنبي، وقال عرفات ذلك لبطل الدفاع عن مخيم شاتيلا علي أبو طوق بعد خروج القوات الفلسطينية.
سيعود كيري في جولة عاشرة، طالباً جواباً من أبو مازن ونتنياهو، وسيذهب أبو مازن لوزراء الخارجية العرب، طالباً جواباً إضافيا لتعديل المبادرة العربية للسلام، التي كانت الانسحاب من الأراضي العربية، وصارت تقول بانسحاب ودولة فلسطينية .. مع تعديلات بسيطة جغرافية!
يقال أن أبو مازن أرسل بكتاب تحفظات إلى الرئيس أوباما على مشروع كيري، بما يذكرنا بتحفظات شارون الـ ١٤ على مشروع ميتشل لإخلاء البؤر الاستيطانية المقامة بعد العام ٢٠٠١ .. وفجأة غيّر صائب عريقات كبير المفاوضين المستقيلين - المكلفين لهجته من التشاؤم الى التشاؤل المشروط، بينما صعّد ياسر عبد ربه تشاؤله الى تشاؤم، والاثنان أعضاء في اللجنة التنفيذية. الأمر نفسه في الحكومة الإسرائيلية.
كيري يريد إطفاء الحريق من أطرافه الى بؤرته، اي من أمن إسرائيل الى ترسيم الحدود، ومنه إلى مشكلة اللاجئين والقدس، فإذا كان السوريون (النظام والمعارضات) يضعون شروطاً على "مؤتمر جنيف ٢" فإن كيري يريد المؤتمر في موعده، والجواب الفلسطيني والإسرائيلي في موعد مؤتمر جنيف، والاتفاق الفلسطيني - الإسرائيلي في موعد المفاوضات النهائية بين الدول الست وإيران حول الملف النووي؟
لا اعتقد، خلافاً للرأي الشعبي الفلسطيني السائد، بأن المفاوض الفلسطيني لقمة سائغة في فم المفاوض الإسرائيلي، او الوسيط الأميركي. لماذا!
قاتل الفلسطينيون أشد القتال في "زمن عربي رديء" وعليهم ان يفاوضوا في زمن عربي أشد رداءة، علماً أن المزاج الشعبي هو مع فوضى الانتفاضة من جهة، ومع سلطة القانون من جانب "السلطة" باعتبارها "دولة" من جهة أُخرى، كما في ردود الفعل حول طريقة معالجة عاصفة "أليكسا".
في رأيي يمكن الوصول الى حلول وسط ابداعية في المرحلة الانتقالية على غرار "لا يجوع الذئب ولا تفنى الغنم" أما الحلول النهائية فأمامها لغم أعماق كما تواجه ذلك الغواصات، وهو يهودية الدولة الإسرائيلية، وهذا أمر دونه "خرط القتاد" كما يقولون في المثل العربي القديم.
أبو مازن قال: ليسموا أنفسهم كما يريدون، وليأخذوا قراراً من الأمم المتحدة أنهم دولة يهودية، ولتقترن بذلك أوروبا وأميركا ومن تشاء من الدول، أما نحن فنعترف بدولة إسرائيل فقط.
هناك مزيج "كوكتيل" لمشروبات منعشة او مشروبات كحولية، وهناك مزيج من "التقيّة" و"التورية" و"لعم" وقد فشلنا في ذلك خلال مؤتمر قمة العام ٢٠٠٠، في كامب ديفيد، ولا نريد تبعات فشل آخر. على "الدهاء" الفلسطيني أن يواجه "المكر" الإسرائيلي.
نقلاً عن جريدة "الأيام" الفلسطينية