حسن البطل
لا تنطنط تذبذبات: البورصة، أسعار الذهب، برميل النفط الخام، أسعار العملات الصعبة، من 1 بالمائة إلى 60 بالمائة.
لكن، استطلاعات قياس الرأي العام يمكن أن تقفز من "النط" بالوثب العالي، إلى "النط" بالوثب بالزانة.
في استطلاع رأي عن شعبية المرشحين لخلافة عرفات، جرى أثناء حياته، اختار ما نسبته واحد بالمائة، أو أكثر قليلاً، أبو مازن. لكن في آخر استطلاع رأي عن نسبة الرضا عن أداء الرئيس أبو مازن، أحرز نسبة 60%.
قل إن هذه "مفارقة" في بناء شعبية الزعامة السياسية، أو قل إن لهذه المفارقة وجهها الآخر تنازلياً. في الجانب الآخر الإسرائيلي، أو في جانب وزراء ومسؤولي حكومة بنيامين نتنياهو.
كان الرأي الغالب الإسرائيلي، حتى أواخر حكم رئيس الوزراء ايهود اولمرت، أن إسرائيل لن تجد زعيماً فلسطينياً أكثر اعتدالاً من الرئيس محمود عباس.. لكن؟ منذ طرح جون كيري خطته السياسية والاقتصادية، صار الرئيس الفلسطيني "عرفاتاً آخر".. بل وأخطر، وحتى "لا سامياً" ولا يمثل نصف الفلسطينيين على الأقل.. وأخيراً "ينبغي و"يجب" تغييره، وانتخاب قيادة جديدة فلسطينية.. ينبغيات ويجبات إسرائيلية هذه المرّة!
نحن لا نضع الكلام على لسان وزير خارجيتهم أفيغدور ليبرمان.. هو يتحدث بلسانه "انتخابات عامة في السلطة الفلسطينية يجب أن تجرى، وينبغي انتخاب قيادة فلسطينية جديدة وشرعية، وينبغي أن تكون واقعية".
قال، أيضاً: "عباس عائق أمام السلام، حان الوقت للنظر في حل إبداعي، والتفكير من خارج الحلبة من أجل تعزيز القيادة الفلسطينية".
ماذا يقول أبو مازن، في المقابل؟ نحن نتفاوض مع كل حكومة إسرائيلية ينتخبها شعبها. كم حكومة انتخب الإسرائيليون منذ أوسلو.. وكم رئيس سلطة انتخب الفلسطينيون؟
في البداية، كان عرفات "شريكاً" ثم لم يعد كذلك خاصة بعد كامب ديفيد 2000 والانتفاضة الثانية، ثم صار "ينبغي" و"يجب" على عرفات أن يتنحّى وأن يغيب (يُغيَّب!) وأن يختار الفلسطينيون رئيساً آخر، لأن أبو عمار "عقبة" أمام السلام وإرهابي، وأيضاً "لاسامي".. إلخ.
عادةً، يُقال: إذا اختلف أمر الناس فيك فأنت على صواب: أبو مازن يتعرض لحملة شعواء تأتيه من ذات اليمين (إسرائيل الرسمية حالياً) وذات الشمال (دعاة الانتفاضة ـ المسلحة، لا المفاوضة، ودعاة تفسيرهم لحق العودة).
كان أبو مازن قال، بصفته فرداً فلسطينياً، إنه قد يزور مسقط رأسه صفد، لكن لا يفكر في العودة إليها. العودة حق جماعي وخيار فردي.
كان أبو مازن قد قال، تكراراً، إنه لن يرشّح نفسه لولاية رئاسية جديدة، وكان أبو مازن "قد فاوض" قيادة حماس ـ غزة ويفاوضها منذ سبع ـ ثماني سنوات على شروط بسيطة لإنهاء الانقسام: انتخابات وحكومة (هل تقبل إسرائيل مشاركة المقاومة في الانتخابات الفلسطينية؟).
مشكلة إسرائيل مع أبو مازن تفاقمت بعد مشكلة إسرائيل مع الرئيس أوباما، ثم مع وزير خارجيته كيري، والتشهير الإسرائيلي بالإدارة الأميركية، يجرّ إلى التشهير بالقيادة الفلسطينية الحالية.
ألم يؤيد نتنياهو، علناً، منافساً جمهورياً للرئاسة الأميركية للرئيس الديمقراطي؟ ألم ينقل ليبرمان موقفه من خطة كيري للدولة الفلسطينية من معارض إلى مؤيد.
قصة ليبرمان مع عملية السلام تستحق الانتباه، كان يشكو من "التحريض" الفلسطيني في المناهج الدراسية ووسائل الإعلام، وكان أبو مازن، ولا يزال، يطالب حكومة نتنياهو بإحياء عمل اللجنة الثلاثية الأميركية ـ الإسرائيلية ـ الفلسطينية لفحص التحريض.
قبل شهر، نقل المبعوث الأميركي مارتن انديك اقتراحاً فلسطينياً لإسرائيل للبحث في التحريض، وأن أميركا تؤيد الاقتراح، ووزير الشؤون الاستراتيجية (المحرّض على القيادة الفلسطينية) المقرب من نتنياهو يوفال شتاينتس رفض الاقتراح بذرائع سخيفة فحواها: أولاً، علّموا أولادكم ثقافة السلام، وبعد ذلك تناقش مسألة التحريض. من يحرّض؟ الإعلام الفلسطيني على إسرائيل أو الإعلام الإسرائيلي على الفلسطينيين؟
يقول ليبرمان: "كل من سيأتي بعد أبو مازن سيكون أفضل لإسرائيل".. وقبلاً قالوا: كل من سيأتي بعد عرفات سيكون أفضل لإسرائيل.. وكل ما في المسألة أن أميركا (والعالم) يتعامل مع القيادة الفلسطينية بصفتها "الشرعية"، ومع أبو مازن بصفته رئيس الفلسطينيين.. وأبو مازن لا يشهّر بأوباما وكيري.
من قال لليبرمان إن الشعب قد ينتخب رئيساً فلسطينياً أكثر اعتدالاً من الرئيس الحالي؟
ومن لا يقول لإسرائيل من بين قادة العالم إن المفاوضات مع أبو مازن قد تكون فرصة أخيرة لتحقيق السلام؟
المسألة في الصراع السياسي ـ التفاوضي كما في الحرب: يخسر من يفرقع أولاً، وإسرائيل "المعجوقة" تريد أن تدفع الفلسطينيين إلى الفوضى و"الفرقعة".
.. وتريد مخرجاً من أزمة المفاوضات هو الانتفاضة، وتتعمّد الاستفزاز والتشهير والقتل.. لتفجير الساحة الفلسطينية.
من يدري؟ قد يضطر ليبرمان رئيساً للحكومة أن يفاوض أبو مازن، فإذا فاوض رئيساً فلسطينياً آخر.. قد يجده "عرفاتياً" أو "عباسياً"!
نقلاً عن "الأيام" الفلسطينية