حسن البطل
خلاف بقية نسور (صقور وعقبان) هي بعض شعارات الدول، فإن النسر الامبراطوري الروسي ذو رأسين يلتفتان لجهتين: في دلالة على أن روسيا الاتحادية، ولاحقاً الاتحاد السوفياتي، هو آسيوي وأوروبي.
أعرف أنهم غيروا علم المطرقة، والمنجل السوفياتي، ولا أعرف هل غيروا شعار الدولة، والاتحاد، او الامبراطورية. ما لم يتغيّر في روسيا الامبراطور - بطرس الأكبر، او الامبراطورة الاسطورية إيكاترينا، وامبراطورية لينين وستالين، هو موقع اوكرانيا في سياسة روسيا الاتحادية، والاتحاد السوفياتي، ثم الاتحاد الروسي و"أسرة الدول المستقلة".
أوكرانيا ذات شاطئ على البحر الأسود، أي هي موطئ قدم الحلم الامبراطوري الروسي ثم السوفياتي، ثم الروسي للوصول الى "المياه الدافئة" للبحر المتوسط، عبر مضيق الدردنيل والبوسفور التركي. ستقوم القيامة لو أغلقت أنقرة "خيشوم" موسكو البحري!
هذه هي سيباستبول قاعدة الاسطول الروسي، ثم السوفياتي، ثم الروسي، أو "خيشوم" الامبراطورية الروسية والسوفياتية، التي صارت، من الحقبة السوفياتية "اهراءات قمح" امبراطورية دولة العمال والفلاحين، وايضاً بعد أن انهارت المنظومة الاشتراكية، ثم الامبراطورية السوفياتية، صارت ممر شرايين الغاز الروسي التي تمدّ اوروبا بالطاقة غير الملوثة للجو.
اذا تسامحت موسكو مع النزعات الاستقلالية في جورجيا (موطن رأس ستالين)، وايضاً آخر وزير خارجية للاتحاد السوفياتي شيفارنادزة) فإنها لم تتسامح مع النزعات الاستقلالية القديمة للشيشان، التي هي في "الاتحاد الروسي" وقمعتها بقسوة وبصبر ايضاً.
واستبدلت موسكو "درع" الاتحاد السوفياتي، ببذلة "أسرة الدول المستقلة"، وأما دول شرق اوروبا فقد اجتازت طريقاً طويلاً منذ انتفاضة بودابست وانتفاضة براغ، واخيراً تمرد وارسو الناجح بقيادة ليخ فاونسا .. الى الانضمام لامبراطورية اخرى، هي الاتحاد الاوروبي، تحقيقاً لحلم ديغول "من الاطلسي الى (جبال) الاورال".
كان فلاديمير بوتين شاهداً على انهيار المنظومة الاشتراكية، بدءاً من انهيار جدار برلين، ثم انهيار الاتحاد السوفياتي بعد سياسة البيروستريكا، وهو يرى في الانهيارين "نكبة" جيو-بوليتكية" عظمى، منذ خرجت دول بحر البلطيق من النفوذ السوفياتي (لاتفيا، استونيا، لتوانيا).
صحيح، ان ألمانيا عادت موحدة وقائدة لأوروبا بقوة "المارك" و"المرسيدس" بدل قوة دبابات "البانزر" النازية، لكن تشيكوسلوفاكيا انقسمت الى تشيخيا وسلوفاكيا، ثم انضمتا معاً للاتحاد الاوروبي. هذا انقسام قومي.
أوكرانيا تتطلع للانضمام للاتحاد الاوروبي، منذ ولاية "الاميرة البرتقالية" يوليا تيمو شينكو، ذات الشعر الذهبي المعقود بشكل تاج ملوكي، لكن نصف الشعب وأكثرية الجيش الأوكراني (اكبر جيش في الاتحاد الأوروبي) يتطلعان نحو الشرق والشمال، أي نحو موسكو، التي صارت قادرة على الدخول في منافسة الإغواء الاقتصادي مقابل الإغواء الاقتصادي الأوروبي.
يمكن لموسكو أن تستعيض عن أنابيب الغاز المارة بأوكرانيا، لكن لا يمكن لها أن تسلّم بخسارة قاعدة سيبتاستبول البحرية، فهي امتيازها ومنفذها للمياه الدافئة منذ الامبراطورية الروسية، قبل الامبراطورية السوفياتية .. واهميتها لروسيا اكثر من أهمية قواعد أميركا في اليابان وكوبا.
أوكرانيا المقسومة بين موسكو عاصمة الاتحاد الروسي وبروكسل (عاصمة الاتحاد الاوروبي) قد تنقسم اما بحرب اهلية، وإما بطلاق ديمغرافي كما حصل في تشيكوسلوفاكيا، وإما بالوسيلتين معاً، كما حصل للاتحاد اليوغسلافي، الذي بناه تيتو .. وهذا لم يكن صربياً بل كراوتياً للمفارقة.
يتحدثون عن "حرب بالوكالة" بين موسكو وواشنطن (وبروكسل) في سورية، علماً أن سببها هو منافسة مشروع أنابيب الغاز القطري لأوروبا، عبر سورية، للغاز الروسي عبر أوكرانيا.
لكن، فيما يتعلق بأوكرانيا، فإنهم يتحدثون عن صراع مباشر، او تجدد "الحرب الباردة" بسبب أوكرانيا بين روسيا والغرب (أميركا وأوروبا).
يشبّهون روسيا بالدبّ، والدب الروسي أصيب بجراح ثخينة بعد سقوط جدار برلين، لكنه صار ضارياً في عهد بوتين، وخاصة أن أميركا تلقت دروساً قاسية في أفغانستان والعراق، ولا يستطيع الاتحاد الأوروبي ان ينافس روسيا اقتصادياً مع متاعبه الاقتصادية في دولة، عدا ألمانيا وفرنسا.
.. ولا تريد موسكو أن "تسحق" ربيع كييف، وأيضاً خسارة قاعدة سيباستبول، وأميركا لا تفكر بمواجهة عنيفة مع موسكو.
الأغلب أن تنقسم أوكرانيا بين موسكو وبروكسل.
نقلاً عن "الأيام" الفلسطينية