حسن البطل
الامتحانات المدرسية الأميركية، تجري على منوال استطلاعات الرأي: مربّع صغير، وعليك أن تملأه باشارة "شطب" متصالبة، أو إشارة "صح".
"امتحان" أوباما "الشفهي" لنتنياهو على هذا المنوال، سوى أنه وزعه قبل أيام من امتحانه "العملي" عبر مقابلة مع وكالة جفري بلومبرغ للأنباء!
قبل شهر تقريباً، اطلق وزيره كيري تحذيراً لإسرائيل، في مؤتمر سنوي للأمن الأوروبي - ميونيخ، ولم يكن بعيداً عن أسئلة "امتحان" رئيسه.
سينقل أوباما أجوبة نتنياهو، بعد اسبوعين للرئيس أبو مازن، خلال لقائهما في القاعة البيضاوية ذاتها، علماً أن الرئيس الفلسطيني أعطى زهاء ٢٨٠ أكاديميا إسرائيلياً جواباً عاماً وشاملاً خلال لقائه معهم في المقاطعة، وكان هذا اكبر تواجد إسرائيلي فيها من أيام عملية "السور الواقي" كما لاحظ إسرائيليون.
لي أن أرى في لقاء "المقاطعة" للرئيس بزعيمة حزب "ميرتس" اليساري الصغير زهافا غالئون أهمية تتعدى "امتحان" أوباما لنتنياهو، لأنها كانت أجوبة محددة على احتمالات محددة:
قال: إذ لم يتم التوصل إلى "اتفاق الإطار" في موعده الجديد، الذي كان موعداً لـ "اتفاق نهائي"، فإن السلطة الفلسطينية، أي الرئيس، لن توافق على تمديد المفاوضات حتى نهاية العام الحالي (لاجتياز قطوع انتخابات الكونغرس)، وبخاصة اذا أخلّت إسرائيل او استنكفت عن تنفيذ تفاهم بإطلاق سراح الدفعة الرابعة والأخيرة من أسرى ما قبل أوسلو.
الى هذا، فهذه المرة اشترط الرئيس تجميد الاستيطان لقبول تمديد التفاوض، وهو شرط لم يكن قاطعاً لبدء المفاوضات في تموز (يوليو) من العام الفائت، باعتبار ان أجل المفاوضات كأجل حمل انثى الإنسان تسعة شهور؟!
الجديد في إجابات أبو مازن المحدّدة لزعيمة حزب "ميرتس" هي قوله: إذا فشلت المفاوضات فسأضع "المفاتيح على الطاولة": إنها إجابة حمّالة أوجه للخيارات وتبدو لغزاً. هل سيحلّ الرئيس السلطة الفلسطينية، ويسلّم "المفاتيح" للإدارة الاحتلالية، بما ينهي أوضاع ٢٠ سنة؟
الأميركيون، بلسان كيري، يحبذون تمديد المفاوضات حتى غاية أو "موفّى" العام كما يقول التوانسة، ولا يريد الرئيس الفلسطيني أن "ينسحب" من المفاوضات ويتحمل اللوم، لكن سيبقى فيها بشروط: إطلاق سراح الدفعة الرابعة و"أسرى آخرين" وتجميد الاستيطان.
لماذا غاب التهديد الفلسطيني باللجوء الى استكمال عضوية دولة فلسطين في منظمات الأمم المتحدة؟ لأن اميركا تريد بناء موقفها في ضوء اجوبة نتنياهو على "الامتحان" الاميركي، فإن فشل، فإن أميركا لن تقف معترضة، على التوجه الفلسطيني لاستكمال عضوية فلسطين - دولة سيادية .. وتحت الاحتلال!
نبيل شعث، وفلسطينيون آخرون كثيرون، يخيرّون إسرائيل: إما "دولتان لشعبين" وإمّا "دولة واحدة" والرئيس اقترح حلولاً أمنية على إسرائيل، منها قوات "ناتو" بقيادة أميركية في الأغوار الشرقية والمناطق الحدودية الغربية، ونقاط استراتيجية في مرتفعات الضفة.
أظن ان "وضع المفاتيح على الطاولة" لا يعني استقالة الرئيس بالذات، ولا "حلّ السلطة" وتسليم مفاتيحها لإسرائيل، بل وضع دولة فلسطين، سياسياً، تحت وصاية او انتداب "الرباعية" بإشراف الامم المتحدة، وبمرجعية مجلس الأمن.
هذا لا يعني تفكيك السلطة إدارياً، إو صرف موظفيها، لأن السلطة قبلت في اتفاقية اوسلو استيعاب الفلسطينيين من "موظفي الإدارة المدنية" الاحتلالية، وعلى اي مجلس وصاية سياسي دولي ان يحافظ على الهيكلية الإدارية السلطوية.
سيكون على "مجلس الوصاية" المقترح تقديم تقاريره الى مجلس الأمن لفترة سنوات ( ٣ - ٥ سنوات) حول إعداد فلسطين للاستقلال الفعلي، كما جرى في ناميبيا (جنوب غربي إفريقيا) التي كانت تحتلها جنوب افريقيا العنصرية.
في تقدير زهافا غلئون أن ٧٦٪ من الإسرائيليين سيوافقون على اطار اتفاق بين دولتين في اي استفتاء، وان ٧٧ عضو كنيست سيوافقون!
إذا كان الرئيس الفلسطيني اعطى جواباً حماّل أوجه "سأضع المفاتيح على الطاولة" إذا لم يتم تمديد التفاوض بشروطه؛ فإن رئيسة "ميرتس" خسرت موقفا اميركيا يقول ان نقاط "اتفاق الإطار" المقترح تحتمل تحفظات من الجانبين، لكن دون تعليل التحفظات، وقالت ان اتفاق الإطار ليس شرطا ان يكون مكتوبا، بل تفاهم شفهي (اتفاق جنتلمان)، وهذا على ما يبدو قد يساعد نتنياهو على "تبليع" اتفاق الإطار لحلفائه في حزبه والائتلاف الحكومي، هذا إن لم يقم رئيس حكومة إسرائيل بإعادة فكه وتركيبه، وإدخال حزب "العمل" و"ميرتس" مكان حزب "البيت اليهودي" وانشقاق جناح موشي فايفلين وانصاره عن "الليكود".
في أسئلة "امتحان" اوباما لنتنياهو تجنّب الإشارة الى الجدل والخلاف حول يهودية إسرائيل، بطرح سؤال: "هل ستفرض (إسرائيل) حدوداً على العرب الإسرائيليين (فلسطينيي القومية) بشكل يتناقض والتقاليد الاسرائيلية".
مقابل اسئلة صريحة ومرّة، قدّم أوباما ما يشبه قطعة حلوى لنتنياهو: انه من اليمين وذو خلفية شخصية يمكنه ان يقرّ لدى الجمهور اتفاقاً اكثر من أي زعيم آخر "نتنياهو ذكي وصلب، وسياسي كفؤ جداً" كلام من الشفاه!
* * *كل زيارة لرئيس حكومة اسرائيلية للبيت الأبيض تأتي مرفقة بلقاء مع "لجنة العلاقات العامة الأميركية - اليهودية" (ايباك) وبرلمانيين مؤيدين لإسرائيل.
على أبو مازن أن يلتقي جماعة "جي ستريت" اليهودية الأميركية المؤيدة للموقف الأميركي من الحل السياسي، كما التقى ويلتقي بالإسرائيليين في "المقاطعة".