حسن البطل
لملم (لضم حبّات المسبحة بخيط) مفردات مثل: تشريفات. مراسم. برتوكول، او عادات. تقاليد، موروثات. وأين تلاقي خيطا يلضم معرض "زي التشريفات".
الناس العاديون يفهمون هذه "اللملمة" وفوق العاديين بقليل، يفهمون "لضم" مفردات: ديبلوماسية. سياسة. استراتيجية.. وربما استراتيجية عليا.
كان السلطان. كان الوالي. كان الامبراطور .. وصايا الرئيس او الملك (منزوع الصلاحيات باستثناء ملوك العرب!).
ما علاقة مفردات اللملمة واللضم بالديبلوماسية والسياسة؟ إنه "الزي" .. فأين تجد زي "الكيموفو" و"الساموراي" في شوارع طوكيو، او زي الامبراطور في شارع الشانزليزيه. لا نريد ان نبتعّد: أين تجد الزي الشعبي الفلاحي الفلسطيني .. رجالاً ونساء، في غير رسومات الفنانين، او خزائن المتاحف، او مجموعات الهواة - المحترفين (مها السقا - بيت لحم).
معرض "زي التشريفات" ميعاده الخميس المقبل ٢٠ آذار، في متحف جامعة بيرزيت، كيف نكتب عن معرض لم نره؟ احدى الزميلات لفتتني الى المعرض، وربما هي تعمل علاقات عامة للمعرض، وزودتني، عبر الانترنت، بما يشبه مقدمة مكتوبة او توطئة "بريغاس" فاستعجلت كتابة عن معرض قد أراه .. أو لا أراه؟
اريد ان افهم ما العلاقة بين الاقحامات والتنزيلات السياسية الفلسطينية بلملمة مفردات ولضمها في خيط "زي التشريفات"؟
اقرؤوا معي: "الصورة الرسمية / زي التشريفات والتي تتحدى شخصية الزعامة الفلسطينية الاوسلوية بجميع اشكالها الذكورية والبيروقراطية الانهزامية، واسقاطات كل ذلك على القضية الفلسطينية، في ظل مشروع مهترئ لبناء دولة .. كيفما جاءت"؟!
سألوا عرفات، قبل توقيع اوسلو: لماذا تذهب بزيك الحربي الى البيت الابيض. قال: اعطوني دولة .. وسأرتدي بزة رسمية. بدل الكوفية والكاكي وجراب المسدس، صار لدينا رئيس ببزة وربطة عنق، يحاول استيلاد دولة.
التوطئة اياها "س.ج" مع صاحب المعرض (هو خريج كلية غولد سميث اللندنية، مثل ابنتي) وعرضه الاول، كما يفتخر، كان بعنوان "شهداء خيط الحرير" في مؤسسة عبد المحسن القطان - لندن يقول عن ذاك المعرض: "تتجلى صورة الرجل الفلسطيني في هيئة الشهيد، والاسير، والفدائي، والعامل، والفلاح، والارهابي .. والسياسي، مقابل صورة المرأة الفلسطينية التي تظهر، دوماً، في زيها التقليدي الريفي .. هل حقاً؟!
امشوا في شوارع مدننا، ودلوني على أناس شعبيين يمشون في "صورة الرجل" أو "صورة المرأة الفلسطينية" .. وهذا ليس سؤالاً عن أناس شوارعنا، بل عن أناس شوارع العالم.
الزي العملي "معولم" على مدى مدن خطوط الطول والعرض في الكرة الارضية .. وتوارت، شيئاً فشيئاً ازياء الشعوب (ربما يعملون متحفاً لأزياء زعماء افريقيا، وأولهم القذافي).
الأحذية هي الاحذية، والرؤوس الحاسرة هي الرؤوس الحاسرة، والزي الفلاحي الفلسطيني يندحر امام فستان زوجة رجب طيب اردوغان، او غيره.
هناك صورة ملونة عن "زي التشريفات" في بطاقة الدعوة، وكأنها صورة رجل ثري، او جنتلمان من "الزمن الجميل" (لابيل - ايبوك) في القرن التاسع عشر. السروال ضيق وانثوي ومذهّب، وكذا الحذاء بلونه وتصميمه، والرأس حاسر، والوسط تلفه شالات ملونة .. من "الجدع" الذي يلبسه في شارع ركب؟
يعني؟ تحليك بهذا الزي أن تذهب إلى حفلة تنكرية لطبقة النبلاء او العليا مع عصابة "زورو" على عينك.
طالما سألت نفسي لمّا أرى ازياء مصر النبلاء في اوروبا: كيف يغسلون هذا الزي المعقد والمزركش؟ وكيف يكوونه؟ كان للعساكر والمحاربين ازياء مختلفة .. والآن؟ زي موحد او متقارب لجنود جيوش الشعوب والدول والامم .. وكذا لباس رياضي لكل رياضة من الفروسية الى السباحة.
تابعوا معي هذا التحميل، "تفكيك معاني الزي الرسمي للسياسيين في واقع الراهن الفلسطيني، وكل ما يعيد هؤلاء انتاجه بمجرد ارتدائهم لزيهم الرسمي.. دائماً ما يظهر الساسة الفلسطينيون عديمو الخبرة والكفاءة، بمظهر متعثر وغير متماسك.. ولو انهم يرتدون البدلات".
يعني؟ على رئيس السلطة ان يستقبل رئيس الولايات المتحدة وهو يرتدي زياً فلسطينياً كما كان يفعل العقيد القذافي بملابسه الغريبة الانثوية.
"ماشي الحال" .. لمصمم الازياء ان يصمم "زي تشريفات" لا يرتديه أحد (تصورت لو ان زي البطانة يرتديه رجل يمشي في شارع ركب؟ سيبدو مهرجاً او منحرفاً مثلاً) لكن احد أشهر مصممي الازياء وهو الفرنسي ايف - سان - لوران، قال: اسفي أنني لست مصمم بنطال (سروال) الجينز. لا ادري ما هي حسرة مصممة الازياء الفرنسية الراقية (هوت - كونور) كوكو شانيل، وهي تعرض ازياء غريبة في الصالات، وترى ازياء عملية في الشوارع؟
مسك الختام: "هوس السياسة الفلسطينية برموز الدولة طغى على المطالب الحقيقية للشعب الفلسطيني .. اتصور ما هو الزي الذي من الممكن ان يرتديه هؤلاء في هذه الدولة التي من الواضح انها مفتعلة وغير حقيقية.
* * *
يا سيدي الفنان: راح زمن "أنت فصّل ونحن نلبس" وراح زمن الالبسة الجاهزة .. وللفنان وحده ان يرى ما يريد .. وللشاعر ايضاً!
سمعنّا موالك عن الاصالة والمعاصرة، دون ان تحيكه بخيوط سياسية!!
نقلاً عن "الأيام" الفلسطينية