حسن البطل
هل فضحنا محمد بكري في شريطه "يرموك" أم فضح نفسه .. أم ضرب على أغلظ أوتار العود "بم" في شريط من 8.08 دقائق؟
زرياب أضاف وتراً لآلة العود، ولم يفعل محمد بكري سوى الضرب على وتر المحظور في السينما، ولعله في المفهوم الاجتماعي يسمى "العيب" وفي المفهوم الديني يسمى "حرام".
شريط امتحن ثقافتنا الاجتماعية الفلسطينية، المستمدة من ثقافتنا الإسلامية الدينية، وهما وتران في ثقافتنا العربية.
سأعود بالذاكرة الى سجال دار في الكنيست حول "الملك داود" لدى اليهود و"النبي داود" لدى المسلمين بين ياعيل دايان وعضو كنيست عربي. ياعيل تطرقت لعلاقة بين الملك / النبي وبين شاؤول، خلاصتها تجدونها في تمثال "داود" لمايكل انجلو، الذي صوره جميلاً .. وانثوياً!
داود الملك غير منزّه لدى اليهود (فندق الملك داود) ومنزه لدى المسلمين .. وكان ردّ ياعيل دايان: لا تعلمني تاريخ شعبي، وأنا أعلم ان شعبك يدفن فضائحه تحت البساط.
تناولت، في عمود الأحد 8 آذار الفنان محمد بكري، والفنان جورج إبراهيم كعلمين في السينما والمسرح الفلسطيني، ورأيت شريط "يرموك" من زاوية فنيّة - إنسانية، وتناوله آخرون من زاوية شخصية - سياسية - أخلاقية.
سأعود بالذاكرة الى عبارة منسوبة لتوفيق زياد: لا نقول ان شعبنا افضل الشعوب، لكن لا شعب افضل من شعبنا. هذا جوابه على "شعب الله المختار" وعلى الفاشية الدينية - العرقية - الشوفينية.
هل الشعب الفلسطيني هو "الشعب المختار" عربياً، ام نعود لما قاله محمود درويش: "كم كذبنا حين قلنا إننا الاستثناء"؟
لا مراء ان المرأة الفلسطينية، بحكم نضال شعبها، هي خير نساء العرب، لكن شريط "يرموك" يقول، بلغة سينمائية مجازية ما يقوله نقّاد الفيلم على صفحاتهم الفيسبوكية: فلسطيني وسوري واحد. اذا تحدثوا عن تجارة الرقيق السورية، و"تزويج" القاصرات منهن إلى الشيوخ الأثرياء، فلماذا يكون على الشعب الفلسطيني ونسائه ان يحمل عبء القداسة والتنزيه، بعدما حمل عبء "الفدائي الشريف والفدائي غير الشريف" وعبء الانقسام والتفاوض .. والفساد ايضاً.
في سورية، وحدها من بلدان اللجوء، يعرّف الفلسطيني نفسه: فلسطيني سوري، وكان عرفات يفاخر بالتلاحم والتصاهر اللبناني - الفلسطيني (زيجات مختلطة) ونجدها في سورية اكثر مما نجدها في بلدان اللجوء، حتى ان بنات أخواتي الثلاث تزوجن رجالاً سوريين.
المشكلة أن اليرموك أخذ "قداسة التاريخ" وقداسة القضية الفلسطينية في اللجوء، وقداسة الشعب المختار عربياً، علماً ان نصف سكانه من السوريين (حتى بعد الحصار المضروب عليه) وحكم السوري - السورية في المخيم كحكم الفلسطيني - الفلسطينية .. ولو في حالات.
نحن سكان سورية الجنوبية. سورية كانت "قلب العروبة" وفلسطين كانت "القضية المركزية" العربية، فلماذا ندعي ان ما يمس السوريين من انقسام واقتتال ولجوء و"تجارة رقيق" لا يمسنا في شيء. إن العزّة القومية يمكن فهمها إذا بقيت مثل الكولسترول الحميد، لكن الفاشية القومية والشعبوية لا يمكن قبولهما.
ما يجري في سورية من مأساة مروعة هو، مجازاً، نوع من "يرمكة" البلد والشعب والجيش، ومن المعيب أن ننزّه شعبنا في المخيمات عن "يرمكة" من الاقتتال والانحياز لطرفي الصراع .. وأمور أُخرى: الفقر. الجوع .. وشريط لفنان ومخرج فلسطيني عما تجرّ إليه أحوال طرفي الصراع .. وحتى غير الأطراف ايضاً. "الجوع كافر" و"الدعارة عار" ولا يكفي القول، تموت الحرة ولا تأكل بثدييها.
يؤسفني أن رذاذاً أصابني مما أصاب محمد بكري من دلف أو تحت المزراب، وقد جاء من أصدقاء تقدميين ويساريين يرفعون شعار: فلسطيني سوري واحد في الهم والدم والخراب ثم نزهونا عن أمراض وحالات تضرب و"تستلبس" الشعب السوري في محنته.
أنا ابن سورية من حيث النشأة، وابن فلسطين من حيث الانتماء، وأقول للأصدقاء أنني سمعت، بعد انفصال سورية عن مصر ١٩٥٨ بعض السوريين يهتفون في ساحة "السبع بحرات" بدمشق "يا على غزة .. يا على المزّة" .. وهذا قبل "الفدائي الشريف والفدائي غير الشريف".
كان الفلسطينيون، في سورية بالذات، متهمين بالعروبة الزائدة، بالناصرية الزائدة، ثم بالنزعة القطرية الزائدة، ثم بـ "التوريط" تارة، و"التفريط" تارة .. وسادة "الإرهاب" العالمي تارة .. ثم بـ "الانتحاريين" لاحقاً. لماذا؟
كل فلسطيني منسوب لشعبه، وكل الشعب منسوب لفلسطين، وهذه منسوبة للقداسة .. لكن كل عربي سوري ولبناني وعراقي ومصري .. الخ، منسوب لنفسه فرداً في المجموع.
يا سادتي: للسينما أن تدخل في "المحظور" وفي "العيب" و"الحرام" ونقدها يجوز تاريخياً وسياسياً وفنياً .. لكن ليس أخلاقياً. ولا حتى دينياً.
مسك الختام: الرقص أول العبادة البشرية. الكحول اول صناعة .. والدعارة أقدم مهنة، وجميعها في رأي الأصوليين Haram وعيب وعار.
نحن والسوريون "سواسية كأسنان المشط" .. الخ! أو قل كأسنان الفم مختلفة قليلاً.
لست مع المنع العربي لفيلم "يسوع ملكاً" ولا "نوح" ولا الهجوم الفلسطيني على "يرموك". اذا دخلت السينما في المحظور لم تعد "الفن السابع"!.
نقلاً عن "الأيام" الفلسطينية