حسن البطل
هل مقتلة "السبت الدامي" الثلاثية في مخيم جنين واستشهاد عناصر من الفصائل الرئيسية الثلاثة، علامة انتقال من أسلوب "القتل بالتنقيط" لجيش الاحتلال، إلى الاغتيال بالجملة!
شهر آذار حافل سياسياً:استفحال واستعصاء المفاوضات إلى أزمة مع الولايات المتحدة وإسرائيل؛ وحافل فصائلياً بالاحتقان داخل فصيل "فتح" الأكبر.. والآن، في مخيم جنين بالذات، شرارة انفجار محتمل لأزمة المفاوضات، وللاحتقان الداخلي في "فتح". فلسطين سلطة وشعباً في أزمة.
بعد عمليات قتل في بيرزيت، ثم قرية بيتين، وقرية دير العسل ـ الخليل، وقعت أكبر وأوسع مواجهة مسلحة وشعبية مع قوات الاحتلال في مخيم جنين بالذات؟
لماذا بالذات؟ هل لأن توقيت العملية الإسرائيلية في المخيم جاء قبل أسبوع من أضرى معركة، وأشدها دموية، وأكثرها خسائر حصلت مطلع اجتياح "السور الواقي" إبان الانتفاضة الثانية (1ـ15 نيسان 2002).
من جنين، أيضاً، التي وصفها الإسرائيليون إبان الانتفاضة الثانية بـ "عاصمة الانتحاريين" بدأت حملة السلطة لضبط فوضى الانتفاضة، تحت شعار "سلاح شرعي واحد" وتسوية وضع المقاتلين المطلوبين .. وصولاً إلى نموذج جنين، أو جنين أولاً، ثم نابلس ثانياً.
لا حاجة للذكاء السياسي ـ الأمني الفلسطيني، ولا حاجة للتذاكي السياسي ـ الأمني الإسرائيلي، للاستنتاج بأن خمسين ضحية فلسطينية، في الأقل، منذ العودة للمفاوضات في تموز العام الماضي، والتصعيد الإسرائيلي من القتل الفردي بالتنقيط إلى مجزرة مصغرة؛ محاولة إسرائيلية لاستجرار الوضع نحو انفجار الأزمة التفاوضية، والاحتقان الداخلي، إلى شرارة انتفاضة ثالثة.
يمكن لصيحات الغضب بعد كل اغتيال فردي بالالتباس المقصود (بيتين، دير العسل) أو بالقصد (بيرزيت) أن نتصاعد نحو اتهام السلطة بمسؤولية "التنسيق الأمني" أو حتى اتهامها بأن محاولاتها لضبط الأمن نوع من الشراكة غير المباشرة مع قوات الاحتلال.
في الظاهر أن القتل الفردي المتمادي بالتنقيط، قد يكون يتخذ من المستويات الأمنية الدنيا في جيش الاحتلال أو المستوطنين (بيتين، دير العسل) لكن العملية الأخيرة والأخطر في مخيم جنين يتحمل مسؤولية عملية "سور واق" مصغرة وزير الحربية نفسه، موشي يعلون.
يعلون أثنى على العملية وبرّرها كعملية وقائية لإجهاض "نوايا" عملية مفترضة فلسطينية .. لكن، يجب وضع التبرير في إطار أزمة استعصاء المفاوضات، واتهام يعلون رئيس السلطة بأنه غير "شريك"، وأن المفاوضات معه لا طائل من ورائها و"عبثية".. وحتى لا طائل من عملية السلام برمتها.
آذار الصعب والدقيق سياسياً، قبل شهر من الشهر الأصعب في نيسان، والصعب أمنياً بتصعيد عمليات القتل، يطرح سؤالاً حول توقيت العملية في مخيم جنين قبل أيام من موعد إطلاق الدفعة الرابعة والأخيرة من أسرى ما قبل أوسلو.
يعلون لا يحبذ تنفيذ اتفاق فلسطيني ـ إسرائيلي ـ أميركي لإطلاق الأسرى، ليس من أجل ربط الدفعة الأخيرة بتجديد التفاوض ما دام وزير الحربية هذا يقول ان لا فائدة من أبو مازن ومن المفاوضات معه؛ ومن عملية السلام، بل لخلق ظروف تحول دون إطلاق سراح أسرى ما بعد الانتفاضة الثانية، مثل: مروان البرغوثي، وأحمد سعدات، وفؤاد الشوبكي.
يقولون في إسرائيل إن وزير الحربية يعلون هو الأكثر شعبية في حكومة نتنياهو الثالثة، متقدماً على الوزراء لبيد وبينيت وليبرمان، ولعله يريد إعادة الاعتبار لنفسه بعد أن أنهى شارون خدمته ثلاث سنوات من أربع رئيساً للأركان، جراء معارضته للانسحاب الأحادي من قطاع غزة.
من قبل، غيّر يعلون تأييده لحزب العمل، إلى تأييد حزب الليكود، كما غيّر عادة وزراء الحربية في إسرائيل لتجنب خوض جدال مخلوط بشتائم سياسية وشخصية مع الولايات المتحدة، التي اتهمها بخذلان أمن إسرائيل؟!
مع هذا، ما يهم الفلسطينيين هو كيف ستواجه السلطة عقابيل استعصاء أزمة المفاوضات، والاحتقان في حركة "فتح" وعمليات الاستجرار الأمني الإسرائيلي للشعب والسلطة إلى نقطة انفجار الانتفاضة الثالثة.
وضع السلطة دقيق، والوضع الفلسطيني شعبياً وسلطوياً في "منتهى الخطورة" كما قال أبو مازن، لما قد تحمله الأيام والأسابيع المقبلة حتى نهاية نيسان.
سيضع رئيس السلطة خلاصة الموقف الفلسطيني أمام القمة العربية في الكويت ـ إذا انعقدت ـ وخلاصة الإجراء السياسي البديل أمام المجلس المركزي الفلسطيني مطلع الشهر المقبل، الحاسم.
لكن.. هناك علائم على سياسة محاور عربية جديدة، تُلقي بوطأتها على سياسة السلطة، وبالذات على الاحتقان الداخلي في حركة "فتح" مع افتقاد محور عربي عجيب لسياسة أبو مازن التفاوضية، بما يذكّر بمجافاة عربية لسياسة أبو عمار التفاوضية.. ثم الانتفاضية!
هناك من يتهم إدارة أوباما بالفشل العام في سياستها الخارجية، وهي تريد النجاح لجهودها بأي ثمن في فلسطين؟
اللاءات الثلاث المنسوبة، إسرائيلياً، إلى حديث أبو مازن مع أوباما، تؤكد على قول أبو مازن للمجلس الثوري: لن أخون قضية شعبي.
نقلاً عن "الأيام" الفلسطينية