حسن البطل
فلسطينيان شاب وكهل من "آل البيت" لكن السلطوي الأول ابن الرئيس الحالي للسلطة؛ والثاني ابن أخت الرئيس المؤسس للسلطة.. أو نقول إنهما من جيل المنظمة؟
ما من مشكلة أو خلاف شخصي بينهما، سوى ربما فارق العمر، أو اختلاف المهنة بين رجل أعمال وآخر دبلوماسي ـ سياسي، كان ممثل المنظمة في الأمم المتحدة، ومن قبل رئيس اتحاد عام طلاب فلسطين.. واختلاف الرأي أولاً.
حسب استطلاع رأي أخير، أجراه في كانون الأول المنصرم، المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، فقد يبدو انحيازي لرأي ناصر القدوة هو بحكم السن، حيث معظم "الاختيارية" مع فكرة الدولتين، بينما تحبّذ أقلية كبيرة من "الشباب"، تقارب النصف، خيار الدولة الواحدة.
عصفور الدولة المستقلة ليس في اليد، وعصافير الدولة المشتركة على الأغصان العالية من الشجرة. الفلسطينيون "عجم عودهم" أي قويت عظامهم (وهويتهم) بحكم العمر والتجربة، لكن لم "يشتد ساعدهم" لإنجاز الدولة المستقلة بشروطهم.
هل تذكرنا هذه الحالة بما مرّ على يهود فلسطين ويهود العالم قبل انتزاعهم "حق تقرير المصير" وتشكيلهم دولة، حيث كان صهاينة علمانيون واشتراكيون مع دولة مشتركة ليهود "الييشوف" في فلسطين ولعرب البلاد مع حقوق مواطنية متساوية من حيث المبدأ؟ وهذا وقت أن كان اليهود في فلسطين هم الأقلية السكانية التي تطمح للمساواة مع الأكثرية العربية.
في المقابل، حتى في فجر منظمة التحرير كان هناك من سلّح الكفاح المسلح بخيار سياسي ـ ديمقراطي، بالدعوة إلى "فلسطين ديمقراطية ـ علمانية"، ولاحقاً طرح فلسطينيو المنظمة خيارات حل: كونفدرالية مع الأردن. كونفدرالية ثلاثية مع إسرائيل. "بينولوكس" ثلاثي.
في العام 1993 صاح الديك الفلسطيني مبشّراً بأن فجر الدولة المستقلة قد لاح، بعد عشرين عاماً من مشروع السلطة الوطنية الفلسطينية، غداة حرب اكتوبر 1973 القاصرة عن "إزالة آثار العدوان" في العام 1967.
بعد أكثر من عشرين عاماً أوسلوياً على صياح الديك الفلسطيني يرى البعض أنه غرّد في فجر كاذب لمشروع السلطة الوطنية 1973، ولتحقيق المشروع 1993.
لكن، حتى قبل فجر السلطة الوطنية الصادق ـ الكاذب، كان هناك إسرائيليون، مثل ميرون بنفنستي، أو أن الاستيطان اليهودي بلغ "نقطة اللاعودة".
الآن، يقول بعض الإسرائيليين، وقد وصل عدد المستوطنين إلى ربع عدد سكان الدولة الفلسطينية في الضفة فقط، إلى الربع تقريباً، كما نسبة الفلسطينيين في إسرائيل، أن الحل هو اللاّحل، أو هو إعادة صياغة الاحتلال. بشكل مباشر: أبو مازن ليس شريكاً في الحل، وعرفات لم يكن شريكاً؟!
قرأت تسويغاً إسرائيلياً لهذه المشكلة ينسبونه إلى عالم المنطق كورت غودل يعود إلى ثلاثينات القرن المنصرم عن "معادلة عدم الكمال" وفيه يقول: توجد معادلات رياضية لا يمكن البرهنة عليها أو دحضها.
هل سيبقى الفلسطينيون شعباً على "حافة" حق تقرير المصير في الاستقلال.. و"إلى متى" كما تساءل أوباما في حديثه إلى الصحافي بلومبرغ، تبقى إسرائيل على "حافة" دولة يهودية ودولة ديمقراطية ودولة احتلال في الآن نفسه، ما بقيت القضية الفلسطينية دون حل، وما دام الحل الواقعي في "دولتين لشعبين" غير متحقق، أو متعذر التحقق؟
إن وجهة نظر فريق يرى رؤية ابن رئيس السلطة هي فلسطينيون يتمتعون بحقوق مواطنية كاملة في الدولة الواحدة، حيث يوشك الميزان الديموغرافي أن يتعادل، وربما يختل لاحقاً لصالحهم؟!
هذا يتعارض مع مطلب "يهودية إسرائيل" شرطاً لحل الدولتين، ويتعارض مع واقع استمرار الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال مع "ديمقراطية إسرائيل".
وجهة نظر ابن أخت الرئيس السابق ـ المؤسّس أن فكرة "الدولة الواحدة" ليست في متناول اليد أصلاً، وأما التسوية التاريخية (الحل بدولتين) وإقامة دولة فلسطينية فهي "مفتوحة على اتجاهات يصعب التنبؤ بها حالياً"!
ماذا يقترح ناصر القدوة؟ بدل إقامة الدولة عن طريق المفاوضات، يمكن هذا عبر تعزيز المركز القانوني الدولي لدولة فلسطين، وقد صارت تتمتع بمكانة دولة.
يعني؟.. بعد عضوية فلسطين دولة ـ مراقبة في الجمعية العامة، صار هناك "مأذون" زواج دولي من الدولة، ويجب الانتقال إلى "حفل الزفاف" إلى الدولة المستقلة، والطلاق من دولة تحت الاحتلال.
الفلسطينيون في "بلهنية" خيارات حول مصيرهم؛ والإسرائيليون في "بلبلة" حول: أبو مازن "شريك" حسب رأي البعض القليل، و"لا شريك" حسب رأي البعض (يعلون مثلاً) أو "شريك صعب جداً في المساومة" حسب رأي فريق ثالث.
يبدو أن عصفور "الحل بدولتين" طار من اليد إلى أغصان الشجرة، وعصافير الدولة الواحدة طارت من الأغصان إلى السماء المدلهمة؟!
هيك أو هيك؟ لا هيك.. ولا هيك!
نقلاً عن جريدة "الأيام"