حسن البطل
يجوز للشاعر أن يستعير من استعارة شاعر آخر، مثل "نيسان أقسى الشهور" ويجوز أن يستعير من طبيعة الشهر في بلادنا استعارة أصلية: مثل: "تردد نيسان".
إن نطق الشهر في تردده، وامطرت السماء "مطر نيسان يحيي الأرض والانسان" فقد أحيا نيسان شتوية سنة كادت تكون عجفاء .. لولا زخّة مطر في آذار، رفعت المعدل العام من ٥٠٪ الى ٧٠٪.
للشعر وللشاعر أن يستعيروا القسوة والتردد، لكن شهور وأعوام وعقود السنوات الفلسطينية حاشدة في قسوتها كما في رقتها، و"تردد نيسان" بدأ في آذار. سماء آذار أمطرت فأحيت موت الموسم، ومربعينية غريبة القحل .. لكنها لم تمطر في القلب، ولا على مشروع كيري.
اليوم ينتقل التوقيت الشتوي الى التوقيت الصيفي، وبعد غد يسلم آذار راية التردد إلى نيسان: هل يتم التمديد للمفاوضات أم لا؟ وما هي شروط التمديد الفلسطينية.
إن أطلقت إسرائيل الدفعة الرابعة والأخيرة من اتفاق - تفاهم ثلاثي مع بدء التوقيت الصيفي في فلسطين، فإن تردّد اللسان السياسي الفلسطيني سوف يتلعثم بالجواب .. نعم للتمديد .. ولكن؟ مقابل بادرة طيبة كبيرة .. ما هي؟ دفعة كبيرة من أسرى ما بعد الانتفاضة الثانية، تشمل قادة فصائل، ووزراء ونواباً، وتجميد معلن او غير معلن للاستيطان .. ووضع شرط "يهودية إسرائيل" خارج شروط اي اتفاق محتمل، او في الأقل على الرف او في "الفريزة" ومواءمة ما بين شروط تحديد ورسم الحدود الفلسطينية، وشروط أمن إسرائيل.
حتى حليف السلام التفاوضي، زعيم حزب "العمل"، هيرتسوغ أنحى باللائمة على "العناد" الفلسطيني سبباً في تعثر المفاوضات نحو اتفاق، او تمديد المفاوضات نحو تسوية تاريخية!
في مطلع آذار، أبلغ رئيس السلطة المجلس الثوري لحركة "فتح" (بلغت عمر الـ ٧٩ سنة .. ولن أخون شعبي وقضيته). في نهاية آذار، ومع بدء التوقيت الصيفي، والانتقال الى "تردد نيسان" احتفل رئيس السلطة ببلوغه العام ٨٠.
عاد من قمة عربية في الكويت بقرارات عربية حاسمة في دعم الموقف السياسي الفلسطيني، وشروط التفاوض وتمديد التفاوض، ولكنها على أرض الواقع ذات معنى صريح: اذهب أنت وشعبك وفاوضا .. ونحن من ورائكم!
من قبل، قال رئيس السلطة لرئيس الادارة الاميركية في البيت الأبيض، بلا تردد أن "لا" للشروط الشفهية لاتفاق اطار، أما الشروط الكتابية فيجب أن تتقارب مع شروط الشرعية الدولية حتى يقول "نعم" لتمديد المفاوضات، او بالأحرى لبادرة طيبة كبيرة.
يلومون رئيس السلطة لأنه قال: هذه ثورة .. ولكن لم أحمل السلاح فيها، ويلومون رئيس السلطة - المؤسس لأنه لم يترك حمل السلاح ولم يخلع زيه الحربي وان احتفظ بجراب مسدسه الأبدي في خطبته الشهيرة عام ١٩٧٤ أمام الجمعية العامة.
في كل مفاوضات مع إسرائيل، كان هناك من يلوم دأب المفاوض الفلسطيني على التفاوض، أو يلوم مفاوضين لا يتمسكون بالعناد الفلسطيني على "المبادئ" وعلى "الثوابت".
جولة التفاوض هذه هي الأصعب، وسبق أن سألوا عرفات: الحرب أسهل عليك أم السياسة؟ المعارك أم الديبلوماسية؟ فقال: الحرب والمعارك هي الأسهل من السياسة.
في ٢٠ آذار من العام ١٩٧٩ وقعت مصر وإسرائيل اتفاق سلام تعاقديا، وهذا العام تمر السنوية الـ ٣٥ على التوقيع، وإسرائيل نشرت ٧٠ وثيقة عن المفاوضات.
أهم ما يعنينا من الوثائق هذه هو قول مناحيم بيغن "من ناحية فلسطينية، سيأتي يوم وهذه ستسمى دولة فلسطينية. ونحن؟ هل سنغمض أعيننا عن الرؤية".
كان هذا قبل إعلان مبادئ اوسلو، وقبل مفاوضات كامب ديفيد ٢٠٠٠ بين عرفات وباراك وكلينتون، وفي حين "نبوءة" بيغن، كان "اتفاق الاطار" يتكلم عن شعب فلسطيني وحق في تقرير المصير (بالانكليزية) وعن سكان المناطق المحتلة وحقهم في "حكم ذاتي موسع" (بالعبرية)!
الآن، يدور التفاوض حول شروط هذه الدولة ومدى تحقيقها للاستقلال والسيادة. هناك في إسرائيل من يحثون نتنياهو ان يكون "قائداً تاريخياً" على غرار بيغن، رابين، باراك، وأولمرت.. وجميعهم ايقنوا ان لا مفر من سلام قوامه دولة فلسطينية.
اتفاق مبادئ اوسلو لم يطبق كما في الإعلان، او تمّ تطبيقه، سلباً وإيجاباً، بقوة الأمر الواقع، والاتفاق حول "الحل النهائي" في نيسان، او تمديد المفاوضات بعد نيسان لن يطبق كما هو في نصوصه، لكن بشروط قوة الأمر الواقع القريبة من "العناد" الفلسطيني.
برهن أبو عمار أنه زعيم مؤسس - تاريخي في الحرب والسياسة، ويبرهن ابو مازن أنه زعيم تاريخي في السياسة والتفاوض، ويريد كيري أن يكون "تاريخياً" بحل أصعب مشكلة، كما يريد ذلك الرئيس اوباما مختتماً جهود عدّة رؤساء اميركيين.
.. أما نتنياهو فهو "المتردد" عن القيام بخطوة تاريخية.
نقلاً عن "الأيام" الفلسطينية