حسن البطل
كنتُ أتسقّط ما يعفّ عنه مشرط زميلي عزّ الدين المناصرة، شريكي في غرفة تحرير بمجلة / جريدة "فلسطين الثورة". كان الشاعر معنياً بقصقصة نصوص أدبية في جريدة "الاتحاد" الحيفاوية.
هو ومشرطه للأدب، وأنا وقلمي للسياسة، وهذا بدءاً من العام 1974، حيث كانت صحيفة "راكاح" الأسبوعية ـ وقتها ـ تصلنا من قبرص، ببريد مكتب م.ت.ف.
المناسبة، واليوم "يوم الأرض" الخالد الـ 38؟
على ضريح الجندي المجهول، في العديد من الدول، هذه العبارة: "اسمك مجهول وفعلك خالد".. لكن، شهداء يوم الأرض التأسيسي الأول خالدون، وأحفظ أسماءهم، لكن لي أن أختار من الستة امرأة تدعى، خديجة الشواهنة، من سخنين.
ألأنَّ الأرض والبلاد والمرأة أسماء مؤنّثة؟ أو لأنَّ خديجة تعتمر، في صورة مغبّشة لها، الحطة البيضاء كما تعتمرها أمي ـ رحمها الله ـ التي تعتمرها كما كانت تعتمرها سيدتنا مريم، أم السيد المسيح.
من بيت كل الجداريات، في طول البلاد العربية وعرضها، لم أرَ جمالاً ومعنى كالذي في جداريتي جواد سليم في بغداد؛ وجدارية يوم الأرض في سخنين، التي تعاون عليها الفلسطيني عبد العابدي واليهودي غرشون غنيسبل. كلتاهما تروي قصة شعب وأرض ومقاومة وحضارة.
إنه يوم الأرض؟ في سيرتي المهنية (يقول البعض عن قلمي: شيخ المعلّقين الفلسطينيين، لي أن أفتخر أول من كتب، في الصحافة الفلسطينية في المنفى، عن فوز توفيق زياد برئاسة بلدية الناصرة، قبل الفوز وبعده. لي أن أفتخر كذلك لكوني أول من كتب عن "يوم الأرض" قبل وبعد حدوثه. لي أن أفتخر، أيضاً، لكوني أول من دعا عام 1976 إلى لقاء بين "فتح" و"راكاح" .. وقد تم في براغ) !
حدّثت في نيقوسيا حبيبي أميل حبيبي عن فخري المهني الثالث، فقال: اكتبها للتاريخ، وقد فعلت متأخراً، لأننا في أوائل سبعينات القرن المنصرم كنا "إعلاميين" مناضلين لا نمهر مقالاتنا بأسمائنا.
قيّض لي أن أزور سهل البطُّوف الخصيب، في الجليل الأسفل، بعد أوسلو هذه، وكذا "الشاغور"، حيث أقيمت بلدة "كرمئيل" اليهودية.. ربما رداً على الأهزوجة: "شاغورنا مالك مثيل/ ترابك أغلى من الذهب". لأسفي لم أتملّ نصب "يوم الأرض" لكن صورته مطبوعة في ذاكرتي، بقوة انطباع جدارية جواد سليم في بغداد.. وأكثر.
... وأيضاً، وبعد أن صار في "يوم الأرض" مناسبة وسباق في الإنشاء والمهرجانات الفصائلية ببيروت، لم أحضر أياً منها، لأنها كانت "كلام مناسبات على وتر".. والوتر سياسي حسب الظرف والمناسبة!
سريعاً ما صار "يوم الأرض" يوماً قومياً فلسطينياً في سائر أرض ـ فلسطين، خصوصاً في : الجليل والمثلث والنقب؛ وفي سائر الشتات الفلسطيني العربي والعالمي.. متقدماً حتى على "أيام" فلسطينية مفصلية، فصائلية ووطنية.
كنّا أولاداً في المنافي، وكانت مسبّة أولاد العرب لنا "بعتم أرضكم".. لكن للوثائق الدامغة لسانا دامغا : 91 ـ 94% من أرض فلسطين حتى عام النكبة كانت خارج البيع المزعوم، ومعظم ما تسرّب إلى الأيدي الصهيونية كان في يد ملاّك الأراضي العرب، ولو أنها كانت الأخصب في فلسطين (مرج ابن عامر، الجليل، قطاع ممتد من حيفا إلى يافا)!
يوم الأرض، دفاعاً عن سهل البطوف، ورداً على متصرف لواء الجليل يسرائيل كينغ: "العرب سرطان في جسد إسرائيل" فقد كان "ما تبقى من رحيق الروح" أي دفاعاً عن ما في حوزة الفلسطينيين في إسرائيل من الأرض.
ثماني سنوات بعد النكبة رفعت إسرائيل قوانين "الحكم العرفي" عن كاهل الأقلية الفلسطينية 1966. عشر سنوات أخرى بعدها جاء يوم الأرض الأول.. ومنذه إلى يومنا هذا، امتد صراع يوم الأرض إلى سائر أرض ـ فلسطين، وصار يوم الأرض يوماً قومياً، وهو كان كذلك منذ أقيمت أول مستوطنة (كبّانية) صهيونية في أرض فلسطين قبل 120 سنة.
كان العرب القدماء يطلقون على كل يوم له ما بعده : "يوما من أيام العرب".. والآن، فإن كل الفلسطينيين يطلقون على "يوم الأرض" اسمه الأول، جذر الصراع : "يوم الأرض".
***
38 مرة "يوم الأرض" ومعظم عديد الشعب أصغر من "يوم الأرض" لكن ليس أصغر من معانيه، ولذا وعلى كثرة الشهداء الأبرار، فإن شهداء يوم الأرض الستة هم:
خير ياسين ـ عرابة. رجا أبو ريّا ـ سخنين. خضر خلايلة ـ سخنين. رأفت الزهيري ـ نور شمس (من الجولان). حسن طه ـ كفر كنا. خديجة شواهنة ـ سخنين.
اسمك معلوم وفعلك خالد.
إشارة: لدي حفنة من تراب طيرة ـ حيفا سوف "تعفّرني" في قبري بين جسدي وكفني، فهي من ارض أمي وأبي في واد أبو فلاح وواد عبد الله؟!
"الأيام"