توقيت القاهرة المحلي 00:55:32 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الشـفـرة؟!

  مصر اليوم -

الشـفـرة

حسن البطل

"اليقظة التي في النوم، والنوم الذي في اليقظة". من القائل؟ أنا أقتبس العبارة، ولا أنسبها إلى قائلها. ابن عربي؟ النفّري؟ التوحيدي. أخلط بين عبارات هؤلاء، وبين صوفي ومعتزلي. لكنني، قبل ثلاثين عاماً، استيقظت من نومي. "اليقظة التي في النوم، والنوم الذي في اليقظة" منعني الاستيقاظ من الانتحار ليلتين في اسبوع. كيف دفعني "اللاوعي" الى الإمساك بشفرة حلاقة تقليدية بأصابع يدي اليمين، ومحاولة قطع شرايين يدي، بين الكف والساعد؟ من أين التقطت الشفرة؟ هل سرت اليها كما يسير النائم "في النوم الذي في اليقظة"؟ جالساً على طرف السرير وفي أصابع يمناي شفرة، وأصابع كف يسراي مضمومة بتشنج. كيف أيقظني الوعي من اللاوعي .. فأخزيت عين شيطان اللاوعي؟ يقولون: الشيطان دفعك للموت انتحاراً، او يقولون: الشيطان منعك من تلاوة القرآن! اذن، سرتُ نائماً باللاوعي. حررت شفرة الحلاقة من جرابها الورقي المزدوج. جلست على طرف السرير المفرد (سفري) في غرفة لا يشاركني فيها أحد .. ثم استيقظت! هل اصفرّ وجهي؟ لم أنظر في مرآة. هل زاد وجيب قلبي؟ نسيت. ماذا فعلت؟ رميت شفرة الحلاقة، كيفما اتفق، بين رفوف خزانة ملأى بالكؤوس والصحون والصواني ونمت..! قلت مرتين في ليلتين خلال أسبوع، إذ في المرة الثانية أيقظني وعيي عن محاولة ثانية لا واعية .. وكنت مستلقيا، وذراعاي مرفوعتان بتشنج، والشفرة بين أصابع يمناي. كيف وجدت الشفرة الحقيرة بين رفوف الخزانة؟ هل رأيتها نائماً، وسرت إليها نائماً، والتقطتها نائماً؟ لم أخبر أحداً، ولا بالذات أمي، عن كابوس مزدوج، نصفه في اللاوعي، ونصفه في الوعي. كل ما فعلته أنني التقطت بنطالي، والتقطت من جيبه الخلفي حافظة الأوراق والنقود، ودسست الشفرة بين جيوب الحافظة. هل تصدقونني؟ مرّت ثلاثون سنة أُخرى، بعد ثلاثين سنة، وثمة شفرة حلاقة لها مكانها بين جيوب حافظة النقود. سأهزم شيطان اللاوعي بعقلي الإنساني الواعي. ثلاثون سنة لم تتكرر محاولة الانتحار اللاوعية مرة ثالثة، وخلالها كنت استعمل الشفرة في مآرب أخرى، لعود الثقاب مآرب اخرى غير الاحتراق، ملموس ايضاً، للخيط لسلك الكهرباء .. وحتى للحذاء..الخ! عندما رويت القصة لاصدقاء هذا العام كذّبوني، لكن ابرزت لهم شفرة حلاقة بين جيوب الحافظة فهي لا تكذب. تنام بجرابها الورقي بين بطاقات الصراف الآلي و"كرت" عداد الكهرباء، وبطاقات الصحافة .. وصور جواز السفر..الخ! هكذا، تحديت شيطان اللاوعي وقهرته بالوعي .. لكنني، خلال النصف الثاني من عمري، راودتني فكرة الانتحار مرّتين وأنا في وعيي. مرّة كنت بلا نوم أياماً، موقوفاً في مطار خلدة اللبناني عام ١٩٦٥، بعد هبوط اضطراري لطائرة P.A الباكستانية. المسافرون امتطوا طائرات أخرى، وأخي وأنا بقينا في "التوقيف" لأننا نحمل وثائق سفر للاجئين الفلسطينيين في سورية لا يجوز لهم دخول لبنان، أو أن أخي البارز في الحزب السوري كان ممنوعاً من دخول لبنان بعد محاولة الحزب للانقلاب. ممنوع السفر براً من بيروت لدمشق، وعلينا انتظار طائرة من طراز DC4 قادمة من حلب وعائدة الى حلب تقل في عودتها مسافرين اثنين. لامني أخي إذ عاملت المضيفة بفظاظة تصدر عن شاب أمضى ليلتين على كرسي. اندفعت الى باب الطائرة محاولاً فتحه، وإلقاء نفسي من علو في البحر. مرّت المضيفة ضاحكة وقالت: "التواليت هناك". الى الآن، أشعر بخدر في ساقي كلما وقفت على مرتفع شاهق ونظرت الى الأسفل. وفي المرة الثانية؟ تعرفون أن مخدرات معينة تجعل المتعاطي يتوهم أنه طير بجناحين. لم أتناول أي مخدر في حياتي سوى البنج الطبي.. لكن سهرة منتصف ليلة عام جديد، كانت أرملة المغدور كمال خير بك، عميد الدفاع في الحزب السوري القومي، تسهر معنا في بيت الشاعر أدونيس. كانت ترتدي الأسود، وتلتحف بشال ابيض، ترقص رقصة الثكلى وتغني أغاني الفراق. أوصلناها الى بيتها أول الفجر. دعتنا الى كأس أخيرة. رقصت وغنت. شعرت أنني طير. خرجت الى الشرفة، وراودتني فكرة الوثب منها. هممت بالوثب. جاءت زوجتي: "حانت ساعة الانصراف". أربع محاولات انتحار. مرتان هزم الوعي اللاوعي "اليقظة" التي في النوم. مرتان هزم الوعي اللاوعي "النوم الذي في اليقظة". الشفرة تبقى في حافظتي. أحياناً أرفعها قبل سفرة جوية. أحياناً أنسى وترافقني في السفر. شاعر قديم قال: لو فارق ذكر الموت قلبي ساعة واحدة .. لفسد! "الأيام"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشـفـرة الشـفـرة



GMT 14:24 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان... في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 14:22 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة مُغَيّبة والتدوير باقِ!

GMT 10:43 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قرن البولندي العظيم (حلقة 2): اكتئاب ومشاكل

GMT 10:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة هوكستين... وعودة الدولة

GMT 10:40 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عيد عُمان... ومعنى الأعياد الوطنية

GMT 10:38 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

السّمات الدولية لسياسة ترمب

GMT 10:37 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قمة الرياض: أمن الإقليم مرتكزه حل الدولتين

GMT 10:35 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

«ترمومتر» الوطنية!

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 20:45 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025
  مصر اليوم - مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 14:08 2018 السبت ,21 إبريل / نيسان

اختاري كوشات أفراح مبتكرة في موسم صيف 2018

GMT 01:35 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

عبد الله السعيد يفجر المشاكل بين كوبر وأبوريدة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon