توقيت القاهرة المحلي 22:43:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حلمي عبد العال

  مصر اليوم -

حلمي عبد العال

حسن البطل

غمست قلمي في دم بطولته، فكانت تلك باكورتي ككاتب قصة قصيرة. ها أنا بعد هذا العمر أترك ذلك المشهد في غور العوجا، عند فصايل، يأخذني تماماً، ليس الى ذلك النصب العسكري الاسرائيلي، الأشبه ببندقية فوّهتها في قبة السماء، كما في المرة الأولى العام 1998، لكنما الى بساط سندسي، توسده صديق الطفولة وابن الخؤولة حلمي عبد العال، في ذلك الآذار من العام 1969 كان قائداً للفدائيين السبعة الذين قطعوا النهر غرباً، لتصبح موقعة العوجا أغنية البطولة الفدائية. بعض الأبطال سيذهبون، ربما، الى "مقابر الأرقام" والبعض الى أسر لم ينفكّ عن بعضهم إلاّ بعد "عملية النورس" عام 1985. لم ألتقِ المحررين عمر أبو راشد وحسام بامية، لكنني في العام 1995 التقطتُ صورة بيت أبي راشد في طيرة حيفا، ليرسلها صديقي خالد درويش الى صاحب الدار (هل هو أبو المقاتل، عمّه، خاله؟) في مخيم النيرب. صورة قائد المجموعة حلمي "أبو العبد" في ذاكرتي أشدّ وقعاً من نصب قتلاهم (بيديه ويد رفيقه الشهيد ورفاقه الأسرى) لأنه كان صديق الطفولة، وابن خؤولة.. وأشجعنا في "عصابة النهر" الذي يتفرع في الغوطة الشرقية عن نهر بردى ويشكل حدود بلدة دوما الشرقية. كان "النهر" نهراً، عندما يسيل، وكان الأولاد العشرة في "العصابة" يتبارون في القفز.. وكان حلمي عبد العال أجرأنا في القفز. هذا هو النهر. وهنا العوجا. هنا مات حلمي "أبو العبد" بطلاً، قاطعاً النهر (وسيكارته في فمه، كما يقولون).. وها أنا أشيحُ بوجهي عن نصب قتلاهم (قال سائق نابلسي في المرة الأولى حيث رأيت النصب، إنهم 22 - 25 جندياً) محاولاً أن أتخيّل: كيف قاتل حلمي قتال الأُسود. هل بكى عندما انبجس دمه الراعف (من غير أنفه هذه المرّة)؟ كانت لحلمي الجَسور، أشجعنا في عراك أولاد "العصابة" فيما بينهم، نقطة ضعفه واحدة: كان مُصاباً بالرعاف، يسيل دمه من أنفه قبل العراك الصبياني أحياناً، أو بعد أن "يبطح" أحدنا ويرميه أرضاً.. فينهض عن غريمه نازف الأنف.. باكياً. كان صلباً للغاية، وحسّاساً بشكل مفرط. وأشهد أن لا شيء حماني من معركة خاسرة معه، سوى أنني كنت الأكبر منه عاماً واحداً، فكنت رأس "العصابة".. وكان شجاعها الأول. أجرأنا طراً هو "المهزوم"، برغم أنه يثب كالنمر من فوق النهر.. وأنا توقفت عن مبارزته في الوثب، منذ أن قفزت النهر حافياً، ليفتح كعبُ زجاجة مكسورة كعبَ قدمي الأيمن جرحاً غائراً حتى العظم تقريباً. ربطت الجرح بعد غسله بماء النهر. أخفيت جرحي عن أبي. في الليل اكتشفه. جنّ جنون أبي. ضربني بقسوة. لم ينم الليل. أول الصبح الى مستشفى "الأونروا" حيث نلت جرعات مضاعفة من مضاد الكزاز والبنسلين ومشتقاته أياماً طويلة! كنّا تسعة أو عشرة من الصبية بين الثامنة والعاشرة من أعمارنا. ستة وجدوا أنفسهم في الفصائل؛ ثلاثة قتلوا مع الفدائيين (الثالث مع جيش التحرير).. أحدهم أخي الصغير، وأحدهم الآخر حلمي عبد العال.. الذي سينتهي بلا قبر معروف (ربما برقم في "مقابر المخربين"). والده أيضاً، الذي عمل بسفينة إمداد وقود مع الجيش البريطاني، سينتهي بلا قبر في مدينة حمص. في تشرين الأول 1973 أصرّ "أبو حلمي" على الذهاب لمصفاة حمص للنفط لتفريغ خزاناتها. جاءت الطائرات الاسرائيلية.. "ذاب" أبو حلمي بين النار والنفط والحديد. اعتبرته سورية أحد شهداء الواجب. أم حلمي توسّلت لابنها الباقي أن يترك الفدائيين، أو يقاتل معهم في غير مجال القتال المباشر. *** هو، حلمي "أبو العبد" "وثب فوق النهر". قتل جنوداً صار لهم نصبٌ يخلّدهم، وهو صار أحد شهداء "القيادة العامة" بلا قبر معروف.. وأنا الوحيد من "عصابة النهر" الذي اجتاز النهر غرباً حسب الاتفاق. ذاك ابن الخؤولة الذي خرج من طيرة حيفا وعمره عامان، وعاد يعبر الأغوار فدائياً وعمره 25 عاماً. ذاك هو "النهر" الذي كنا نقفز فوقه.. وهذا هو النهر الذي عبروه قتالاً، "وعبرناه" نحن بغير قتال. لقتلاهم النصب التذكارية ولقتلانا "أرقام" في مقبرة.. و" أرقام" على هوية خضراء، كما هو عشب الأغوار أخضر. "الأيام"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حلمي عبد العال حلمي عبد العال



GMT 15:32 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

سوريا.. التاريخ والسياسة

GMT 15:30 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

الفائزون فى 3 مباريات

GMT 09:30 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

ويْكَأن مجلس النواب لم يتغير قط!

GMT 08:32 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

الثلج بمعنى الدفء

GMT 08:29 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

فرنسا وسوريا... السذاجة والحذاقة

GMT 08:27 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

التكنوقراطي أحمد الشرع

GMT 08:25 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

جدل الأولويات السورية ودروس الانتقال السياسي

GMT 08:23 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

ليبيا: لا نهاية للنفق

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
  مصر اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي

GMT 10:34 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 23:00 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

البيت الأبيض يصف كتاب "بوب وودورد" بأنه "قصص ملفقة"

GMT 10:52 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

GMT 15:36 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon