حسن البطل
إلى زمن كان هناك قانون سارٍ في بعض ولايات الولايات المتحدة، يعتبر تلفظ رجل بكلمة "الكرسي" بالإنكليزية نوعاً من القذف.. في حضرة النساء.. لماذا؟ لأن رجال الولاية كانوا يتداولون الكلمة كإشارة مواربة إلى "عجيزة" النساء، وقت كانت الأنوثة هي حشو "العجيزة" بوسائد!
خطرت هذه التورية اللغوية في بالي، عندما "تشربكت" طباعة وثائق على آلة نسخ حديثة، أو حسب ترجمة "غوغل" فإن "الشربكة" هي "انحشار" ورق أو بالعامية اللبنانية "حشرة" وعليك التفتيش عن ثلاثة أسباب للانحشار، قبل أن "تدمدم" الناسخة دقائق بعبارة "تنظيف الممر".. وما يعمله كيري هو "تنظيف ممر" السلامة!
الكلمة الإنكليزية لـ "الانحشار" هي Jam ولها معنيان، والمعنى الثاني هو "المربّى"، وفي تقديري أن "اتفاق الإطار" هو "حمّال أوجه" تفسيرات وتأويلات عربية وعبرية للنص الإنكليزي المعتمد في الوثائق الدولية (وقرارات الأمم المتحدة ومجلس أمنها).
للانحشار أو الحشرة في مسوّدة اتفاق الإطار قصة طريفة لبنانية: حصل أن داهم لصوص حفلة أثرياء ونهبوهم أموالهم وساعات أيدي الرجال ومصاغ نسائهم.. فوجدوا مسدساً في نطاق رجل.. نهبوه، أيضاً، ولكن بعد صفعة "كف" من اللص على وجه صاحبه، الذي قال: هذا المسدس للحشرة؟ فقال اللص: "بدك حشرة أكبر من هيك يا جبان"!
لنعد إلى معنى "الانحشار" و"المربّى" حيث يفهم الفلسطينيون من "يهودية" إسرائيل أنها "حشرة" رئيسية أمام الاتفاق، ويفهم الإسرائيليون (أو بعضهم) أنها "مربّى" أو "المن والسلوى" العراقية الشهيرة (أو قل لقمة الزقوم في المذاق الفلسطيني).
من الواضح أن إصرار نتنياهو (وقبول كيري) على يهودية إسرائيل هو نوع من "السور الواقي" السياسي ـ الأيديولوجي ـ الديمغرافي ضد حق العودة (حسب تفسير القرار الأممي 194 أو حتى حسب تفسير مبادرة السلام العربية)!
ثارت ضجة غير مبررة بعد كلمة أبو مازن في طلبة الجامعات الإسرائيلية خلال لقاء المقاطعة، وقوله: حق العودة لا يعني أن "نُغرق إسرائيل" بعودة 5 ملايين لاجئ.
كان الرئيس ـ المؤسّس ياسر عرفات قد قال ما معناه: حق العودة.. "بما لا يُخلّ بتوازن إسرائيل" الديمغرافي، أي عودة بالاتفاق والتوافق مع إسرائيل بعد معاهدة السلام.. وأولاً عودة لفلسطينيي اللجوء اللبناني.
.. ولكن "سبحان مُغيِّر الأحوال" فقد صار عرفات "الإرهابي" معتدلاً في موضوع يهودية إسرائيل، وصار "المعتدل" أبو مازن متطرفاً في هذا الموضوع. كيف؟
صحافيان إسرائيليان لامعان "بَحبَشا" في أرشيفهما، فوجدا مقابلة لهما مع عرفات في العام 2004، وقبل شهور من "تغييبه" وفيه أجاب عرفات: نعم.. إسرائيل هي "دولة اليهود" أو "دولة لليهود".
سيُقال إن هذا اجتزاء من سياق، أو سيُقال إن هذا الكلام في وقته، غير معنى هذا الكلام في وقتنا الراهن، حيث لم تكن يهودية إسرائيل شرطاً لا في مؤتمر كامب ديفيد 2000 ولا في مفاوضات أنابوليس مع ايهود اولمرت (الذي يعارض "حشر" الاعتراف الفلسطيني بيهودية إسرائيل"، كما يعارض ذلك الرئيس شمعون بيريس، وزعيم حزب لبيد).
سيكون لهذا "الانحشار" أو Jam صياغات توفيقية (هل أن كيري أقلّ شطارة من كارادون صاحب القرار 242).. لكن له معناه بعيد الأثر، أيضاً، وهو أن "المصير" الفلسطيني و"المسار" الإسرائيلي يشكلان خطّين متوازيين لا يلتقيان، أو أن العلاقة بين "مصير" و"مسار" مثل العلاقة بين مسنّنات "تروس" الآلة التي تنقل الحركة إلى عكسها أحياناً، أو إلى اتجاهها أحياناً!
سؤال: كيف تكون فلسطين هي "الوطن القومي" الفلسطيني، وإسرائيل هي "الوطن القومي" اليهودي، حسب صياغة كيري الراهنة لتسويغ يهودية إسرائيل، في حين أن إسرائيل تطلب السيطرة على المعابر لتقييد عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى "الوطن القومي" الفلسطيني، بدلاً من عودة حرّة، أو من اتفاق على عودة بضع عشرات أو مئات الألوف كل سنة؟. بينما حق العودة اليهودي لإسرائيل متحقق، بل مع عودة تاريخية ـ توراتية إلى "يهودا والسامرة"، أيضاً!
هل يقترح الفلسطينيون "عودة" إلى إسرائيل بقدر ما يبقى من المستوطنين جميعاً، في الكتل وخارج الجدار في الضفة الغربية بما فيها القدس؟ أو عودة بقدر ما يبقى من المستوطنين تحت "السيادة الفلسطينية" أي 80 ـ 100 ألف؟
بين معنى Jam الورق في الناسخة، ومعنى "المربّى" للكلمة ذاتها، أو بين الانحشار والحشرة و"لقمة الزقوم"؛ وبين علاقة "المصير" الفلسطيني و"مسار" دولة إسرائيل،
قام الفلسطينيون بالغاء خانة الديانة من بطاقة الهُويّة، بينما في بطاقة الهُويّة الإسرائيلية أن القومية هي "يهودي" لا إسرائيلي؛ أو "عربي" لا فلسطيني، أو "درزي" لا عربي .. وحتى "مسيحي" لا عربي ولا فلسطيني؟!
كيري الأميركي يعرف أن سؤال الأميركي عن ديانته يعتبر وقاحة واستفزازاً.
نقلاً عن "الأيام" الفلسطينية