توقيت القاهرة المحلي 10:49:55 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«كا» كافكوية تركية!

  مصر اليوم -

«كا» كافكوية تركية

حسن البطل


حاولت، بالأمس، ما يشبه "فضاء" رواية التركي اورهان باموك* (نوبل - آداب 2006) ومقاربة السؤال المزمن: هل حلقت لجنة حكماء نوبل - آداب في مدار محاباة المبدعين "المنشقين"، أم كافأت مبدعاً - بارعاً.. مبدعاً في رواية ملحمية؛ وبارعاً في البناء الروائي الحديث؟
لعل باموك يلخص نفسه وروايته معاً في أحد الاقتباسات الاستهلالية للرواية، التي تنوب عن عادة "الاهداء" الكلاسيكية. اقتبس باموك من ثلاثة مفكرين. لعل اقتباسه من مؤلف جوزيف كونراد المعنون "تحت عيون الغرب" يلخص الروائي ويضع شراعاً وبوصلة للرواية. يقول الاقتباس: "لقد غدا الغربي الذي في داخلي قلقا".
كان كونراد موضوع كتاب رئيسي للمفكر ادوارد سعيد، وهو قلق كما نعلم بين عقله الغربي وقلبه الشرقي.. وكذا السيد اورهان باموك، وكذا روايته كلها، التي قد نلخصها بإبدال اقتباسه من كونراد الى النحو التالي: "لقد غدا العلماني التركي الذي في داخلي قلقاً".
من القلق الفكري يأتي الألق الابداعي الروائي.. ومن موقف حداثوي في الفكر والحياة تأتي البراعة في بناء الابداع الروائي، بدءاً من اسم الرواية ذاته "الثلج".
يعود المنفي السياسي "المغربن" السيد "كا" الى بلدة قارص الاناضولية في اول عاصفة ثلجية عاتية، ويغادرها مع نهايتها.. وخلال اربعة أيام عاصفة يعيش عاصفة داخلية مزدوجة، حدها الاول مطابقة عاصفة علاقات اثنية - دينية - فكرية في بلدة مهملة ذات تاريخ لامع؛ وحدها الثاني عاصفة ذاتية مركبة من علاقته العاطفية، ومن هيجان شيطانه الشعري (يكتب السيد "كا" 19 قصيدة في اربعة ايام؛ ولا يكتب اي قصيدة خلال اربع سنوات بعد عودته الى فرانكفورت.. ومصرعه اغتيالاً).
الثلج ذاته أعطى اسمه لـ "فندق ثلج بالاس"، او اخذ اسمه، وفوق بساط الثلج، حيث لا تكف السماء عن ان تندف، هناك هيجان من القلاقل، وهيجان علاقة عاطفية بالمرأة "ايبك" البنت الكبرى لصاحب الفندق، تلامس شقيقتها الصغرى "قديفة".. وهي من "فتيات الايشارب".
شخوص الرواية يزيدونها غنى، وكل واحد منهم "بلورة ثلج" مختلفة، باعتبار ان كل "ندفة ثلج" سداسية الشكل ذات توزيع هندسي فريد. السيد "كا" بطل الرواية العلماني فريد، وكذا غريمه الاسلاموي "الكحلي"، وكذا صديقه الليبرالي الاثير نجيب، وكذا، المسرحي العلماني الأناضولي صوناي.. وجميعهم يلاقون مصرعهم، وكل واحد بطريقة واضحة كالثلج، فريدة كهندسة "ندفة الثلج"؟!
للقارئ المثقف الذي رصد اقتباس باموك من قلق كونراد، ان يرصد مغازي اسم السيد "كا"، وان لا يصدق احالة الراوي هذا الاسم الغريب - المحبب والموسيقي الجرس الى اختصار اسمه "كريم الأقوش اوغلو".. بل الى "كا" بطل الرواية كافكا الشهيرة "المسخ".
 "الكحلي" الاسلاموي المطارد (حبيب النساء وعشيقهن مع ذلك)، يتهم "كا" بانه "ممسوس" بالغرب، اي "ممسوخ".. لانه يخبر الجميع بان معطفه الرمادي الفاخر صناعة ألمانية اصلية، ومن مخازن "كاوفهوف" الشهيرة، وعند الخطر من اجهزة امن الدولة، يسخرون منه "قد يثقبون لك معطفك بالرصاص".. وبالفعل، يثقبون جمجمته بطلقة من الخلف، وكذا قلبه بطلقة اخرى من الخلف.. ولكن في فرانكفورت، بعد عودة "كا" باربع سنوات.. لا يكتب فيها قصيدة، ولا يضاجع امرأة. يكتب رسائل الى "إيبك" ولا يرسلها!
يغادر "كا" البلدة، قبل اجراء انتخابات لرئيس بلدية جديد خلفاً لسلفه المقتول، لكن أمن الدولة (بأجهزته المختلفة) يلقن الناس درسين دمويين يحصلان على خشبة المسرح، وفي المسرحيتين تسقط ضحايا بفارق يومين. في الاول يقتل الجنود طلبة مدارس اسلامية احتجوا على مسرحية علمانية، وفي الثانية تقتل الفتاة "قديفة" مدير المسرح صوناي بمسدس يفترض انه غير محشو، وانتقاماً من نقض الامن الخاص التركي اتفاقاً صعباً عقده السيد "كا" مع المطارد "كحلي"، وقوامه السماح للمطارد بالخروج، مقابل سماحه لعشيقته "قديفة" بخلع الايشارب في المسرحية.. ونشر بيان للمعارضة في الصحف الألمانية.
لا اثر للدفتر الأخضر حيث سجل "كا" قصائده المحمومة، لان قاتله يسرقه.. ويذهب "الروائي" الى "قارص" باحثاً عن تسجيلات القصائد عبثاً، ويكاد، بدوره، يقع في غرام "إيبك" التي وقع الإسلاموي "الكحلي" والعلماني "كا" في غرامها.. 
احد أصدقاء "كا" يلخص الرواية: "اذا وضعتموني في رواية تجري احداثها في قارص، اريد ان أقول للقارئ الا يصدق شيئاً مما تقوله عنا. لا احد يستطيع فهمنا من بعيد". يقول الراوي تعقيباً: "لا احد يصدق رواية كهذه أصلاً".
تنتهي الرواية بعاصفة ثلجية في موسم آخر.. في المحطة ذاتها.. وكما بكى السيد "كا" يبكي الذي يكمل روايته.

حسن البطل
الاحد 29-10-2006

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«كا» كافكوية تركية «كا» كافكوية تركية



GMT 04:32 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

ما قال... لا ما يقال

GMT 04:30 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

وزن تأريخ الأردن في التوجيهي 4 علامات.. أيعقل هذا ؟!

GMT 04:27 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

لكنّها الطائفيّة... أليس كذلك؟

GMT 04:24 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

العلويون جزء من التنوّع الثقافي السوري

GMT 04:22 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والصراع على الإسلام

GMT 04:19 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

عن الحيادِ والموضوعيةِ والأوطان

GMT 04:16 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

أين يُباع الأمل؟

GMT 04:11 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

الجميع مستعد للحوار

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفكار لجعل المطبخ عمليًّا وأنيقًا دون إنفاق الكثير من المال

GMT 22:21 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عباس النوري يتحدث عن نقطة قوة سوريا ويوجه رسالة للحكومة

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 19:37 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

مصر تُخطط لسداد جزء من مستحقات الطاقة المتجددة بالدولار
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon