حسن البطل
هذه المرة، لن تنسب إسرائيل عملياتها خارج حدودها إلى «مصادر أجنبية» بعد أن تسرّبها إليها. مثل فيلم «أكشن» مُشوِّق في «حرب الجاسوسية والظلال»..
نشرت اثنتان من كبريات الصحف الأميركية، هما «نيوزويك» و»واشنطن بوست» قصة اغتيال «وزير دفاع» حزب الله، عماد مغنية، في دمشق عام 2007.
تعاونت (CIA)، في دور المخرج وكاتب السيناريو، مع «الموساد» في دور البطولة الثانوية، أو المقاول من الباطن. صحيح أن رجال «الموساد» ضغطوا على زر التفجير من إسرائيل، لكن مدير الـ (CIA) حينها، مايكل هايدن، أخذ التفويض مكرراً من الرئيس الأميركي جورج بوش ـ الابن: «لماذا لم تقوموا بذلك حتى الآن».
الأميركيون صنعوا العبوة، وجرّبوها 25 مرة، وهرّبوها بالحقائب الدبلوماسية، واستأجروا شقة رصد مغنية. يعني: انتهكوا السيادة السورية باسم الحصانة الدبلوماسية، وكانوا موجودين «على الأرض» وقت التنفيذ!
هذه عملية منسّقة بين شريك أكبر هو (CIA) وشريك أصغر هو «الموساد»؛ وهذه مرة استثنائية تعترف فيها الولايات المتحدة بعمليات اغتيال سرية بالتعاون مع «الموساد».
هذا تعاون على المستوى التنفيذي ـ الاستخباري، يضاف إلى التعاون الاستراتيجي الأمني، وإلى المظلة الحمائية الدبلوماسية الأميركية لإسرائيل في تصويتات مجلس الأمن والجمعية العامة.
السؤال الذي يُسأل: لماذا اختارت واشنطن عملية اغتيال للكشف عن دورها فيها، وهي لا تعترف، عادة، بعمليات اغتيال سرية، حتى أنها عاقبت جندياً ممتازاً في سلاح «المارينز» روى كيف كان هو المنفذ المباشر لاغتيال أسامة بن لادن، وجهاً لوجه، وليس عَبر سلاح الاغتيال المعتاد عَبر طائرات بلا طيار.
للأميركيين حساب مع عماد مغنية، ومسؤوليته في تفجير مقر «المارينز» في بيروت 1983، وعمليات ضد القوات الأميركية في العراق.
للإسرائيليين حسابهم، أيضاً، لأنه «وزير دفاع» الحزب، ويتحمل مسؤولية تفجير السفارة الإسرائيلية في الأرجنتين والمركز الثقافي الإسرائيلي فيها، انتقاماً من اغتيال أمين عام سابق لحزب الله عباس موسوي مع عائلته.
مع ذلك، فللتوقيت الأميركي في أخذ المسؤولية أهميته، وفحواه: لا يستطيع الإسرائيليون الكثير دون تنسيق مع الأميركيين، ومن ثمّ، فإن عمليات الاغتيال لعلماء نوويين إيرانيين، أو أعمال التخريب وزرع «جراثيم» في البرنامج النووي الإيراني، ليست مسؤولية إسرائيل وحدها.
هذه رسالة أميركية لإسرائيل فحواها: دعونا نعمل بطريقتنا لتعطيل البرنامج النووي الإيراني.. ولا تزاودوا علينا، ولا تفاجئونا بعمل منفرد، ولا تحرّضوا علينا الكونغرس الأميركي، خصوصاً، أن قادة أمنيين إسرائيليين في «الموساد» وغيره، يعارضون عملاً إسرائيلياً أحادي الجانب ضد إيران.
ينبغي الالتفات إلى صياغة الموقف الأميركي من العمليات المتبادلة بين حزب الله وإسرائيل، فإذا ضربت إسرائيل، في القنيطرة مثلاً، قالت واشنطن: من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، وإن ردّ حزب الله الضربة في شبعا، قالت: على الجانبين التهدئة وتفادي التصعيد.
تشمل هذه اللغة الأميركية المزدوجة وصفها لمشاريع الاستيطان بأنها تضرّ بعملية السلام، لكن إذا وصل الأمر لإدانة إسرائيل بسبب الاستيطان، عرقلت أميركا هذه الإدانة؟
عملية اغتيال عماد مغنية في دمشق حصلت العام 2007، أي قبل فوضى «الربيع العربي»، ومن ثم فهي خرق للسيادة السورية، وخرق للأعراف الدبلوماسية، بتسريب القنبلة بالحقيبة الدبلوماسية.
حتى بعد خرق نتنياهو قواعد البروتوكول الأميركية، ومن قبل الفرنسية، وتدخّله الفظّ في شؤون أميركية، تكرّر واشنطن التزامها بأمن إسرائيل الاستراتيجي، والمظلة الحمائية السياسية لها في المحافل الدولية.
قد يكون نشر تفاصيل التعاون الأمني التنفيذي بين (CIA) و»الموساد»، رسالة إلى إسرائيل للتوبيخ والتحذير، بأنه فوق «يد إسرائيل الطويلة» توجد يد أميركية أطول، وتعمل بمهنية أكثر. لأن العبوة التي قتلت مغنية كانت أميركية مجرّبة وصغيرة، ولم تلحق أضراراً سوى بالهدف المحدّد، وليس كما تفعل إسرائيل بعمليات الاغتيال، حيث يذهب فيها ضحايا أبرياء آخرون، كما في اغتيال قائد حزب الله عباس موسوي مع عائلته، واغتيالات في غزة.
أخيراً، كان هناك من اتهم النظام السوري بالضلوع في اغتيال مغنية، أو ادعى أنه ذهب ضحية صراعات داخلية سورية، أو نتيجة تقديرات سورية وإيرانية متفاوتة.
إذا كانت إسرائيل قوية عسكرياً، فالفضل يعود لأميركا، وإذا كانت إسرائيل تتحدث بفخر عن عملياتها السرية، فهذا لوجود تنسيق مع الأجهزة الأميركية.
ميزانية الـ (CIA) أكبر من ميزانية إسرائيل العامة!