حسن البطل
اشتريتُ شيئاً من "بقالية علقم" ذات مساء متأخر جداً. إنها دكان في عطفة زاروب في رام الله - التحتا، التي تخضع لعملية تحديث جارية لبنيتها التحتية والفوقية، قد يشمل تجميل واجهات المحلات وآرمات أسمائها.
يُضرب المثل في العربية على مرارة العلقم أو الحنظل. هذا كنتُ اعرفه لغوياً، ولا أميزه نباتياً حتى عثرتُ، في حديقة برية بنيقوسيا، على نبات غريب، قالت أمي: هذا هو العلقم، الذي تبدو "ثماره" كأنها بطيخ صغير.
هل ستتزيا "بقالية علقم" باسم آخر مثل "ميني ماركت" بدلاً من "دكان" أو "محل"، او حتى "ميني مول" بعد أن يموت صاحب البقالية العجوز او يورثها إلى ابنه!
على الأرجح فإن كنية صاحب البقالية صارت اسم البقالية، كما كنية "مريبع للصرافة" في رام الله - التحتا كنية صاحبها، وهي تصغير لكنية "مربع" الذي صرنا نجده فقط في هجاء الشاعر جرير لغريمه الشاعر الفرزدق الذي هدد مربعاً بالقتل "أبشر بطول سلامة يا مربع"! بقايا أسماء عشيرة عربية أسست رام الله!
قال درويش "ذاهب إلى تفاصيل البلاد" وأذهب معه الى تفاصيل الأسماء والنعوت التي تدل على أصالة تغرب شمسها ويطلع قمرها الباهت بأسماء ونعوت اجنبية.
أوائل ستينيات القرن المنصرم، حاولت بلدية دمشق - الشام إعادة اصالة اسماء إلى جذرها. مثلاً: أعادت اسم مقهى "الدورادو" الحديث الى أصله العربي "الدار" وملهى "كاف دو روا" إلى "كهف الملك"!
لا أتوقع من بلدية مدينة عربية أن تستبدل الـ "مول" مثلاً بكلمة "السوق"، ولا بالأحرى "البوتيك" لـ "الدكانة" علماً أن "دكانة المدخنين" اسم قديم لمحل تبغ ومستلزماته في رام الله، أو ان "السوق" Souk مفردة عربية كانت جارية الاستخدام في الفرنسية القديمة.
كان أحد أعمدة المسرح الفرنسي، بيير كورني، (1606- 1684) قد أطلق على ملهاة مأساوية من تأليفه اسماً عربياً هو "السيد Lecid" وكورني في المسرح الفرنسي هو مثل مولليير في اللغة الفرنسية، التي جدّد تراكيبها إرثر رامبو، الشاعر الصعلوك!.
يقول علماء الحضارات الانسانية إنهم يجدون جذورها على اطرافها في العادات والتقاليد واللغة، كما في أقصى المغرب العربي او في بلاد اسلامية "ما وراء السند والهند". يشمل هذا الاسماء الاصيلة والخشنة التي تتحول الى اسماء موسيقية.
في بلاد المغرب يطلقون، غالباً، على النساء أسماء عربية انثوية قديمة مثل : فاطمة، خديجة، آمنة .. بينما في جذر الحضارة العربية الاسلامية في بلاد الشام صاروا يطلقون عليها أسماء مثل: سوسن، ميادة، دانا. هل هناك اسم انثى "ولاّدة" متداول؟
تجدون على الـ "تي - شيرت" علامات تجارية من أرقام أو اسماء بحروف اجنبية، بما يذكرني بولع اليابانيين القديم بالأرقام الافرنجية "العربية الأصل" في بداية عصر النهضة اليابانية (عصر الميجي) وهي ما حكاه ابن خلدون عن تشبّه المغلوب بالغالب.
مع ذلك، إنك تجد "كارافال" هو الشائع للفنادق مثلاً، مع أنه تحوير لـ "القافلة" او "أميرال" تحوير لـ "أمير البحر"، لكن لغة الضاد عرّبت بنجاح فائق اسماء كافة صنوف الاسلحة، ربما لأن الأصل هو "ضَربَ زيد عمراً" بينما جذر فعل التصريف في الفرنسية هو "الحب - Aimer" وفي الانكليزية هو الحيازة او التملك Have.
مع ذلك، فإن العربية مطواعة في الاشتقاق بما يكفي مثلاً "السيارة" وهي نحت يطلق على شكل سير معين لقافلة من الابل والجمال.
في علوم الأحياء تسيطر الاغريقية القديمة (الديناصور ومشتقاته) وكذا في بعض وسائل النقل الحديثة مثل "تاكسي" وهي في الأصل مشتقة من السفر الآمن والسالم Calo Taxidi باليونانية الجارية، وقال لي قبرصي يوناني ان اليونانية الحديثة تشبه علاقة الايطالية والاسبانية الحديثة باللغة اللاتينية، لأن هناك "ترجمة" حديثة للمسرحيات الاغريقية القديمة مثل سوفوكليس!
"الشارع" صامد في أسماء الطرق بالعربية، والطريق ايضاً، لكن الزاروب والحارة يختفيان، فإن كان الشارع حديثاً وعريقاً صاروا يسمونه "أوتو ستراد" فإن كان شبكة اتوسترادات صاروا يسمونه "هاي وي".
هناك في المغرب العربي يطلقون على الدرب أو الطريق نعت "نهج" ويلزمك قاموس لتعرف انه دلالة على الطريق الواضح او المستقيم.
أعرف ما تعرفون، حيث كانت الرومانية لغة العالم، فاللاتينية والعربية، ثم الفرنسية كانت لغة الديبلوماسية .. والآن اللغة الانكليزية، حيث يتحدث العالم كله بـ "باد إنغليش".
وأمّا "بقالية علقم" فإنها ستغدو "ميني ماركت بسام" مثلاً.
* * *
بالمناسبة: تهنئة الأعياد المتداولة هي "كل عام وأنتم بخير" لكنها كانت "كل سنة وأنت سالم" في فلسطين الساحل.