توقيت القاهرة المحلي 20:18:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رأيتُ لون خوفه

  مصر اليوم -

رأيتُ لون خوفه

حسن البطل

مشهد شبه سينمائي استحال مشهداً شبه بيروتي خلال دقائق، من ظهيرة يوم الثلاثاء، في ذلك الشارع الذي أكرموه «شارع الأيام».. وأسميه «شارع الهاينكين والمكابي». لأن زوار الليل يتركونها فارغة على قارعتيه.
..غير أنني غبت، فقط، عن لحظة التحول من سينما بوليسية على الشاشة الى مسرح بيروتي.. في شوارع أذكر أسماءها، وأتذكر تفاصيلها.. وأكاد أشم رائحة البارود، وعجلات السيارات المحترقة.
هناك، في بيروت، أجزم أنني نجوت (من كان هناك ولا يجزم؟) من موت رُبع محقق، نصف محقق.. أو على شفا حفرة من الموت.
هنا، في «شارع الأيام» الذي أدعوه «شارع الهاينكين والمكابي» لا أجزم، ربما لأن القتيل الذي حاذاني عشرة أمتار أو أكثر (قبل أن يسقط قتيلاً) خانته فطنته، وإلا لعاد الى السيارة البنية مستريباً مما أرابني، لكنه استراب بي.. فأبطأت خطواتي (وهي غير عجولة عادة) فسبقني الى تلك السيارة البيضاء.
«يكاد المريب أن ..» لكنه استراب بي، فأثار ريبتي بـ «مشهد سينمائي» تفاصيله كالتالي:
لحظة محاذاتي السيارة البنية، خرج منها ذلك الشاب (الذي سأراه ممدداً، هامداً بعد دقائق) يصيح، ويلوح.. فنظرت الى حيث يصيح ويلوح، فكانت سيارة بيضاء تصعد تلك الطلعة، قادمة من ذلك المنعطف الصعب (حصل لنا به حادث سير عندما كنت مع زميلي سميح في سيارته). تمهلت البيضاء. استدارت. توقفت. نزل منها رجل بدين، ستيني تقريباً، أشيب الشعر، يردّ ما يستطيع من شعر رأسه ليخفي صلعته. بدآ جدالاً.
الشاب (الذي مشى نحو حتفه) كان أسرع مني، وأنا التقطتني سيارة صديق، فلما حاذينا السيارة البيضاء (بقي فيها شاب) انفجر ارتيابي: «لعلهم يتبادلون مخدرات» قلت للصديق، الذي لم يأبه بشيء. قبل أن أدلف مبنى «الأيام» ألقيت نظرة.. وكانا ما زالا يتجادلان.
وقت يكفي لتسكب ماء ساخناً في الفنجان، و»طابع» شاي.  يقولون في الإنشاء المدرسي: «هرعت الناس» وأنا هرعت.. الى ذلك «المشهد البيروتي». العجلات التي لن تدور. والأقدام التي لن تسير (بانت من تحت الغطاء)، لكن الفارق بين مشهدين: سينمائي وبيروتي يظل لون وجه الشاب الممتقع، نظراته المستريبة بي (وكان عليه أن يستريب بما يريب فعلاً).. ويعود القهقرى.
ما الذي يجعل لوجه الانسان لون الفخر والحبور؟ عندما يحلق فرح سري من أعماقه ليصدم قفص جسمه.
ما الذي يجعل لوجه الانسان لون الموت قبل الموت؟ عندما ينكمش خوفه الغريزي ويلوذ بدمه الى حشاياه.
لا في السينما وميتاتها السينمائية، ولا في شوارع بيروت، رأيت لون الخوف من الموت كما رأيته، من طرف عينين مستريبتين لوجه يسربله خوف كان أضعف من الإقدام نحو المخاطرة.
في السينما رأيت حذراً أكثر، حبكة أمتن، وفي شوارع بيروت رأيت الموت معجوناً بخبث الفاعل وبراءة المارّة المفعول بحياتهم فعل الموت الخاطف.
لكن في ذلك «المشهد البيروتي» في «شارع الأيام» رأيت السذاجة، لأنه لو كانت للشباب (وهم من شعبي، وبعض لحمي ودمي) فطنة لاسترابوا في «جدال الإشارات».
عادة، يلتقي صديقان في سيارتين، ويغلقان الشارع.. ويعطِّلان حركة السير. وعندما تستدير «البيضاء» قبل مائة متر، وتدور على أعقابها، ففي الأمر ما يريب (ظننت الأمر تجارة غير مشروعة، فإذا به صفقة موت غير مشروع).
حتى في الكتب. حتى في السينما. حتى في الجيوش، لا يقعون في غلطات قاتلة كالتي يقع فيها عناصر «حماس»، لأن قاعدة الأمن الأولى هي: لا تكن مع شقيقك في كتيبة نظامية واحدة. لا تكن معه في خلية سرية واحدة.. ولا تذهب معه الى مهمة سرية واحدة.
لكن عماد وعادل وقعا في الغلطة، التي وقع فيها سليم وسلمان.. فأي تهافت أمني هذا الذي هبطت اليه أولويات الحذر الأمني لدى عناصر «حماس»؟!
بين مشهد سينمائي رديء، ومشهد بيروتي أقل فداحة، يظل في البال لون وجه الشاب. وأما في المتخيل، فقد رأيت أطفالاً ورجالاً، نساء ومقاتلين يبكون: أستطيع أن أتصور كيف يبكي أطفال الشاب زهران وزوجته.. وأبكي معهم.
.. وقرب «المشهد البيروتي» في «شارع الأيام» لا تزال «الآرمة « على ذلك المحل Roller Star ففي ذلك المكان صعدت روح شاب فلسطيني الى السماء. لماذا نركض هكذا الى «الجنة؟. 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رأيتُ لون خوفه رأيتُ لون خوفه



GMT 18:32 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

فنّانو سوريا

GMT 18:31 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

المشهد اللبناني والاستحقاقات المتكاثرة

GMT 18:31 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... الوجه الآخر للقمر

GMT 18:30 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

2024: البندول يتأرجح باتجاه جديد

GMT 18:29 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

جنوب لبنان... اتفاق غير آمن

GMT 18:27 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

رائحة في دمشق

GMT 18:26 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

«هشام وعز والعريان وليلى ونور وكزبرة ومنى ومنة وأسماء»

GMT 16:40 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

الوطن هو المواطن

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:36 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الأمير الحسين يشارك لحظات عفوية مع ابنته الأميرة إيمان

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 13:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon