توقيت القاهرة المحلي 17:42:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

زغـــلـــــــولان

  مصر اليوم -

زغـــلـــــــولان

حسن البطل

 

.. إلى أن صار خلخالها يشفع لزغلوليها من قصقصة أجنحتها الأربعة وذيليها الاثنين. إن لم تقصقص لن تنحر ثم تغطس الفرخين القتيلين في ماء يبقبق.. ثم تبعج البطن، وتنتف الريش.. الخ.
نويت شراً منذ فقست البيضتان في قوارة مهملة على الشرفة.. كلا، أخمدت نيتي الشريرة بشراء زوجين من الحمام المجمد مؤونة في فريزا البراد. رحت أغوص في فضول الشاعر: سبحان الذين جعل من قوت حبة القمح طيراً بجناحيه يطير.
لتلامذة تشارلز داروين، أبو الانتخاب الطبيعي، أن يقنعوك كيف انحط بيض الديناصور الى بيض الطيور، ولتلامذة غريغور ماندل، أبو علم الجينات، أن يفسروا لك احتمالات فرخ زغلول أبيض لحمامة سخماء.. لكن، ماذا تراه يقول لك فيلسوف سخيف: بيتك يصير مقدساً إذا سكنته مع طفل ونبات وحيوان.
أطفالك حلقوا مجازاً (الإنسان طير لا يطير) ونباتات الظل والشمس تنمو مباركة وتذوي، والكلب والهر عبودية متبادلة.. وطير في القفص استعباد.. ويمامة باضت في قوارة الشرفة تطرح عليك سؤال الحرية وتجيب عليه: اليمّ سماء الاسماك، والسماء بحر الطيور.. وأما الهواء فهو بحرك وسماؤك، لأنك ملك الثدييات المتوج. الحيوان المنتصب، الناطق، العاقل.. الآكل الأعلى للخضار والثمار، للحوم والبيوض.. والقاتل الوحيد الذي يقتل ليأكل، ويقتل حتى لا يؤكل.. ويقتل دون أن يأكل ما قتل. إذا انقذ حياة فهو بطل، وإن سلب حياة فهو بطل.
شيئاً فشيئاً صارت الحمامة ذات الخلخال ربيبتي، أملأ لها زاداً من الماء في منفضة السكائر، وأعلف لها جريش الحب وفتات الخبز. شيئاً فشيئاً صار زغلولاها ربيبي أيضاً. يخرجان صباحاً من المخبأ ويخرجان مساء أيضاً.. وأخيراً، توقفت الحمامة - الأم عن تغذية الزغلولين من حوصلتها، وبالكاد صرت أميز الطفل عن أمه.. لولا خلخال وضعه مجهول في ساق الحمامة- الأم. أنت تعرف يدك اليمنى من اليسرى، وساقك اليسرى من اليمنى. الحمامة لا تعرف وأنت لا تعرف.
في الليل أطوي صفحات كتاب عن قصة عجيبة لرجل تاه في لجة المحيط الهادي على قارب نجاة بصحبة نمر بنغالي وضبع وغزال وسعلاة، بعدها غرقت السفينة المهاجرة من الهند إلى كندا.
كتاب "حياة باي" لمؤلفه يان مارتل حاز جائزة بوكر الدولية للأدب 2002. هو ابن عائلة هندية تملك حديقة حيوانات ويعرف طباعها في الأسر، وكان عليه أن يتعلم طباعها في زورق تائه. النمر يفترس الغزال أولاً، ثم الضبع والسعلاة.. لكن يجد الابن التائه طريقة لترويض النمر خارج القفص.. وينجوان معاً بعد 277 يوماً في عباب البحر. الماء من السماء (وتقطير الماء المالح) والغذاء من كائنات البحر، والدليل هو: لا تشرب الدم لا تشرب بولك. لا تشرب ماء البحر.. غير أن دم سلاحف البحر حلو المذاق.
هناك كسر في قانون علم الاحياء: حيوانات لبونة.. وحيوانات بيوضة. ذات الحافر، وذات الاظلاف. ما هو؟ حيوان منقار البطة هو الحيوان الثديي الوحيد الذي يبيض. لا اعرف أهو بحري أم بري.. أم يعيش هنا ويبيض هناك.
من الذي وضع الخلخال في ساق اليمامة الوالدة؟ عالم حيوان معني بهجرة الطيور أو صاحب مزرعة حمام دأب على حز اعناق الزغاليل.. فوجدت الحمامة ملجأ آمناً على شرفة بيتي، وكلفتني بمهمة لا تعنيها وهي جمع غائطها الذي لا يشبه بعر الماعز، ولطع البقر.. بل يشبه قرن بوظة متعدد الالوان ساح وسقط من يد طفلة صغيرة.
من خفقات جناح الطير تعلم الانسان علم الطيران، ومن ذيل الطير تعلم كيف يحط أرضاً، ومن ثمانية أسابيع تعلمت من الحمامة وزغلوليها كيف أقرأ تفاصيل الحياة قراءة أبسط وأعمق، كيف أتذوق الشعر الجميل برهافة أكبر، وكيف أضع ساقاً في عبودية حرية الانسان، وساقاً أخرى في حرية عبودية الطير.
ستفوتني، على الاغلب، متعة أخيرة لحظة وقوف الزغلول على حافة الشرفة.. ثم يرفرف بجناحيه الى حيث أمه على حافة شرفة عمارة مقابلة قيد البناء.. ثم الى السماء المفتوحة.
يقول البعض إن الحمام يعود في ربيع وصيف مقبلين.. لكنني اكتفيت من سقف هذا الدرس ومن عنائه. ستكون هناك هريرة، أو سيكون لدي مقص يجز أجنحة الزغاليل، وسكين مطبخ رهيفة الحد..
كلا، سأنظر الى سيقان الحمامة ذات الخلخال وأقول: أهلاً وسهلاً.

حسن البطل
31 تموز 2009

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زغـــلـــــــولان زغـــلـــــــولان



GMT 14:24 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان... في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 14:22 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة مُغَيّبة والتدوير باقِ!

GMT 10:43 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قرن البولندي العظيم (حلقة 2): اكتئاب ومشاكل

GMT 10:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة هوكستين... وعودة الدولة

GMT 10:40 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عيد عُمان... ومعنى الأعياد الوطنية

GMT 10:38 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

السّمات الدولية لسياسة ترمب

GMT 10:37 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قمة الرياض: أمن الإقليم مرتكزه حل الدولتين

GMT 10:35 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

«ترمومتر» الوطنية!

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:02 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أردوغان يؤكد أن الأمم المتحدة عاجزة عن حل الصراعات في العالم
  مصر اليوم - أردوغان يؤكد أن الأمم المتحدة عاجزة عن حل الصراعات في العالم

GMT 12:06 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا توضح أسباب غيابها عن رمضان للعام الثالث
  مصر اليوم - شيرين رضا توضح أسباب غيابها عن رمضان للعام الثالث

GMT 07:51 2020 الأحد ,27 كانون الأول / ديسمبر

حفل اللاعب البرازيلي نيمار يثير الجدل في البرازيل

GMT 12:05 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

مكافآت خاصة للاعبي أسوان عقب البقاء في الدورى الممتاز

GMT 14:23 2021 الإثنين ,06 أيلول / سبتمبر

تباطؤ التضخم السنوي في تونس إلى 6.2 % خلال أغسطس

GMT 21:51 2021 الإثنين ,14 حزيران / يونيو

غياب أحمد فتحي عن قائمة بيراميدز أمام سموحة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon