حسن البطل
"الثالوث" في المسيحية شيء، و"ثالوث" الأرض المقدسة شيء آخر في السياسة.
زمان كان هناك من تحدث عن "دومنيون" كأنه حل يجمع دول ثالوث دول الأرض المقدسة: فلسطين والأردن.. وهذه الإسرائيل.
هل يقربنا الثالوث المسيحي وثالوث الأرض المقدسة السياسي بالحديث عن ثالوث "الديانات السماوية" حسب التسلسل التاريخي: اليهودية. المسيحية.. والإسلام.
لو كان ثالوث الأرض المقدسة وثالوث الديانات السماوية مثل قوس في مبنى، لكانت فلسطين هي حجر العقد الذي يتوسط القوس، لا بالمعنى السياسي والجغرافي الحالي (دولتان سياديتان: عربية ويهودية.. ومشروع دولة سيادية فلسطينية) بل حتى بالمعنى التاريخي، لأن فلسطين هي الاسم القديم للأرض المقدسة.
ربما لذلك المعنى والمعاني، وكون الديانة المسيحية تتوسط الديانتين اليهودية والإسلامية، تعمّد البابا فرانسيس الأول أن يصطحب في معيّته وحجّته للأرض المقدسة صديقه الفكري الحاخام ابراهام سكورسكا، الملقب "حاخام البابا" وهو من بوينس ايرس في الأرجنتين التي جاء منها البابا الحاج ـ الزائر 266 في السلالة البابوية على الكرسي الرسولي.. وايضاً، صديقه الثاني المسلم عمر عبود، أمين السر العام للمركز الإسلامي في بوينس ايرس أيضاً، إضافة إلى أول كاردينال مسيحي ماروني هو اللبناني بشارة بطرس الراعي.
العالم يتحدث الإنكليزية حالياً، ومن قبل كان يتحدث الفرنسية، لكن الفاتيكان يتحدث الجالس عليه باللاتينية.. ومن ثم، فعبارات الترحيب ستكون ثلاثاً أيضاً: "أهلاً وسهلاً" و"بروخ هبا" .. وفي اللاتينية "سالفة بونتيفكس".
العالم يتغير بسرعة تثير الدوار، وبأسرع مما تتكيّف معه الديانات السماوية الثلاث، وحالياً يعلو صوت الأصولية الإسلامية وكذلك صوت الأصولية اليهودية، وكان البابا 265 هو بنديكتوس السادس عشر (المبارك) وكان ألمانياً ومحافظاً، لكن على غير عادة الباباوات في السلالة البابوية اضطر البابا المحافظ للاستقالة قبل عام ونصف العام، وكانت استقالته تاريخية، لأن البابا مثل الملك أبد الحياة.
البابا الحاج والزائر هو أول بابوات الفاتيكان من أميركا الجنوبية، وهذا تحوّل تاريخي في بابوات روما، ربما لأن دول أميركا الجنوبية أكثر التزاماً بالكاثوليكية من أوروبا الكاثوليكية، أو لسبب آخر غير مباشر. ما هو؟
في حقبة النصف الأخير من القرن المنصرم كانت تسود معظم دول أميركا اللاتينية نظم عسكرية فاسدة، أو طغمة مستبدة... في ذلك الوقت تحدث بعض رجال الدين المسيحي عن "لاهوت التحرير" لمؤازرة ثوار التحرير، وبعضهم انضم فعلاً إلى الثوار، وجد هذا التحول بعض صداه في العروبة المسيحية عندما دعا شباب مسيحي مثقف إلى "كنيسة من أجل عالمنا" بعد هزيمة العروبة في حزيران 1967.
يقال في صالح البابا فرانسيس إن له آراء ليبرالية في بعض المسائل، لكن ليس إلى حدّ موافقة الدولة الأوروبية على زواج المثليين مثلاً، ولا حتى في تشريع الإجهاض "الإجهاض قتل" كما أفتى.. ولا في زواج بابوات روما الكاثوليك.
مع هذا، لعلّه أوّل بابا تحدّث عن عشق امرأة في شبابه، وأنها كانت تراوده في صلواته، لكنه في الأخير "انحاز إلى طريق العزوبية (كأنها استعارة لمراودة الشيطان للسيد المسيح؟)".
الزيارة البابوية للأرض المقدسة، المقسومة بين دولتين سياديتين ودولة تتطلع للسيادة، لا تنفي أنها بالذات زيارة إلى فلسطين ـ السياسية، ليس لأن معظم مقدسات المسيحية فيها، لكن أيضاً لأن وضعية الفاتيكان دولة غير عضو في الأمم المتحدة، هي الوضعية الحالية لفلسطين المتطلعة لدولة سيادية.
هذا لا يعني أن فلسطين غير السيادية، بعد، لا تمنح زائرها البروتوكول الكامل في الاستقبال ومراسيم الزيارة، علماً أن بروتوكول البابوات، رغم أنها دولة الفاتيكان ذات الوضعية الخاصة، يكاد يفوق بروتوكولات ومراسيم استقبال رؤساء الدول العظمى.
مع أنها حجّة راعوية (وليس رعوية كما هو الغلط الشائع، لأن الراعي غير قطيع الرعي) لكن حاضرة الفاتيكان قالت إن زيارة الحبر الأعظم هي زيارة إلى "دولة فلسطين"، أي إلى حجر قوس العقد في الديانة المسيحية.
في زيارته القصيرة إلى ثلاث من دول الأرض المقدسة لن يكون لدى البابا فائض وقت شخصي لإعداد طعام غدائه بنفسه، لكنه يبقى "بابا الفقراء" منذ ما قبل جلوسه على الكرسي الرسولي (في آذار 2013) وبعده.
لا أعرف من هو الأعرق؟ هل عرش اليابان أم بريطانيا، لكن أية سلالة ملوكية لا تحمل الرقم 266 الذي يحمله البابا فرانسيس منذ بولس الرسول.. وحتى الآن.
"الأيام"