توقيت القاهرة المحلي 21:14:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كتاب المراثي «أبو حميد»، تعتيق البرونز بالفضة

  مصر اليوم -

كتاب المراثي «أبو حميد»، تعتيق البرونز بالفضة

حسن البطل

بعد أربعين سنة فدائية، صارت الرتبة: لواء.. وظلت المهمة: "فدائياً".   
بعد أربعين عاماً، أدرك وجه "ابو حميد" مرحلة "تعتيق النحاس بالفضة"، أبيضَّ شارباه وفوداه، على لون وجهه النحاسي.   
قبل أربعين عاماً، بدأت مرحلة "تحريق الخشب"، او الرسم على الخشب بالمحرق.
في سن الأربعين يكون للرجل الوجه الذي يستحق: حريق التجربة وإزميل الزمان.. وفي سن الخامسة والستين، يكون للفدائي العتيق، وجه أبو حميد: تنزيل فضة الزمان على حريق الحديد والنحاس، اي لون البرونز هناك، لذلك، عصر الحديد، وعصر البرونز.. وعصر الفولاذ. هناك كذلك، فدائي الحديد، وفدائي البرونز.. وفدائي الفولاذ.   
ابو حميد، الفدائي هو زمن الكفاح المسلح، وابو حميد القائد هو "الكفاح المسلح" كمؤسسة، تجمع: البوليس الحربي، والانضباط العسكري.. والشرطة المدنية.  
كيف لم يفقع قلبه، وهو يدير، من قيادته في مخيم صبرا، مشاكل الناس اليومية مع الناس (الجارة تشتكي على جارتها.. الى الكفاح المسلح)، ويدير مشاكل ناس المخيم مع فدائيين جاؤوا من مخيمات المنافي، ومشاكل فدائيي فصائل مع فدائيي فصائل.. جاؤوا من بلاد منافٍ لا حصر لها.   
كيف لم يفقع، قلب ابو حميد،؟ هل لأن خريج الكلية الحربية المصرية 1964، جاء الى الجندية بروحية رياضي كرة السلة، بل عضو المنتخب الوطني الفلسطيني في البطولة السلوية العربية الاولى في الاسكندرية 1953؟   
هل لأنه احد مؤسسي التنظيم السري لحركة "فتح"؟ أم لأنه دار مع بوصلة التيه الفلسطيني تمام الدائرة، فقاتل في غزة قبل حزيران 76، وفي الكرامة 1968، وفي لبنان حتى 1982، ثم قائداً لقوات الثورة الفلسطينية في اليمن بعد الخروج من لبنان؟   
أم لأنه النورس الفلسطيني، او سمكة السلمون الفلسطينية، التي فقست من البيضة في غزة، وبعد اربعين عاماً فدائية.. قفز الاحمر القاني (لون رتبة اللواء الركن على كتفيه) الى وجهه البرونزي؟
أو، لأنه مثل "أبي جهاد" عاش جحيم النكبة وهو في سن العاشرة (ولد العام 1938)، أو عاش تجربة حرب أو تجربة غزو، او  تجربة احتلال، او تجربة منفى جديد.. مرة كل عشر سنوات؟ اربعون عاماً فدائية، اربعة منافٍ، اربع حروب كبيرة (أي: عشرات المعارك)، ومن ثم يعود لاعب كرة السلة، ليكون قائداً لقوات الامن الوطني جنوب قطاع غزة؟   
واحد آخر من "الرعيل الأول" الفدائي.. واحد آخر سجّل، في هذه الانتفاضة الثانية، أعلى رتبة عسكرية تنال شرف الشهادة: الرتبة لواء، المهمة فدائي.   
كم تبقى من الرعيل الأول رجال فدائيون لا يزالون على سلاحهم.. ولا يزالون في مهمتهم؟   
كان ممكناً ان يسقط "ابوحميد" في أي حرب من حروبه الاربع الكبيرة، في أي معركة من عشرات المعارك. كان يمكن ان يوارى الثرى في أي منفى.  
.. لكن، عندما عادت دائرة التيه الفدائية الى مكان بدايتها الاولى، انتهت مرحلة تعتيق البرونز بالفضة، ولم تنته مهمة "الفدائي"، حتى قفز الاحمر القاني من كتافات "لواء ركن.. وصبغ برونز الوجه، وفضة شعر الشارب والفودين.  
عندما سقط أبو جهاد في تونس، كتب زميلنا في "فلسطين الثورة" الشاعر الكردي السوري سليم بركات رثاءً رائعاً بعنوان رائع: "الاسم: خليل الوزير".  
عندما سقط ابو حميد في غزة، بعد اربعين عاماً فدائية، نعته: الحركة، والمنظمة، الثورة، والسلطة.. والقيادة، فعرف الآلاف من الكوادر القديمة ان صاحب الاسم الحركي "أبو حميد".. هو المواطن أحمد مفرج، خريج الكلية الحربية المصرية، مقاتل القواعد الاولى، فدائي المهمات الاولى، الضابط القائد لجهاز "الكفاح المسلح"، أحد مؤسسي  قوات الأمن الوطني.. دون ان ننسى: جندي جيش التحرير والضابط في هذا الجيش.    
بعد اربعين عاماً فدائية، تقاعد الكثيرون من الرعيل الاول الفدائي، او صاروا خبراء او مستشارين، أو موظفين مدنيين كباراً في جهاز السلطة.   
.. وبقي الفدائي ابو حميد فدائياً، وبقي الفدائي على سلاحه فقط، بعد موته، نظرت الى صورته، ملامحه البيروتية في قيادة "الكفاح المسلح" لم تتغير في خطوطها. كان لوجهه، آنذاك، لون النحاس، القادم من لون تحريق الخشب.. وصار لوجهه لون تعتيق البرونز بالفضة.   
قبل موته، بشهور قليلة، ذكرته في هذا العمود، فتلقيت رسالة هاتفية مكتوبة: شكراً أخي، لكن هل نسيت ان العقيد في حرب بيروت، استحق نجمة أُخرى، وصار عميداً؟   
وعندما طغى الاحمر على "تعتيق البرونز بالفضة" استحق نجمة أخرى، أعلى الرتب العسكرية.. لكن، عندما سقط  شهيداً، ونال أغلى رتب النضال، كان لا يزال له قلب الفدائي الشاب، ووجه الفدائي الكهل.. وموت الفدائي المقاتل.  
هذه رحلة الفدائي العتيق، ضابط الكلية الحربية، لاعب كرة السلة.. قائد المنطقة الجنوبية، الفدائي "أبو حميد".

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كتاب المراثي «أبو حميد»، تعتيق البرونز بالفضة كتاب المراثي «أبو حميد»، تعتيق البرونز بالفضة



GMT 15:28 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

حماية المريض والطبيب بالحوار

GMT 15:26 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

نفس عميق!

GMT 15:25 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

الأزهر لا سواه لها

GMT 15:24 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

أُسطورةُ فى جباليا!

GMT 15:23 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

شركاء فى الجريمة

GMT 07:13 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

علاقات بشار التي قضت عليه

GMT 07:12 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

«في قبضة الماضي»

GMT 07:11 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

كَذَا فلْيكُنِ الشّعرُ وإلَّا فلَا!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:49 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 09:32 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

إطلالات للمحجبات تناسب السفر

GMT 10:42 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

بولندا خرقت القانون بقطع أشجار غابة بيالوفيزا

GMT 23:19 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

كلوب يحمل بشرى سارة بشأن محمد صلاح
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon