توقيت القاهرة المحلي 22:43:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

"تطبيع"؟ نعم.. ولكن بين "طائفة" و"شعب"!

  مصر اليوم -

تطبيع نعم ولكن بين طائفة وشعب

حسن البطل

للشاعر والروائي الكردي السوري سليم بركات مجموعة شعرية ذات عنوان لافت: "كل داخل سيهتف لأجلي وكل خارج"، وحظي بركات بصديقين مميزين: محمود درويش زميله الذي خصّه بقصيدة "ليس للكردي إلاّ الريح" وزميل آخر هو إميل منعم، اللبناني الماروني الكسرواني، المنحاز مثله للفلسطينيين والمناضل مثله في صفوفهم (كان المخرج الفني لمجلة "فلسطين الثورة"، ثم صار المخرج الفني لجريدة "الأخبار" المقرّبة من حزب الله).
مثله، كان لدي جيران وأصدقاء لبنانيون وموارنة في بيروت الغربية، إبان الحرب الأهلية. كنتُ شاباً، وكان جاري حليم دكاش كهلاً وواحداً منهم، ومعلماً لي في لعبة طاولة الزهر.
إنه الوحيد الذي "هتف" باسمي وهو تحت تأثير التخدير بعد عملية في القلب أجراها في مستشفى "أوتيل ديو" في حي الأشرفية ببيروت الشرقية.
لا يوجد ماروني يحمل اسم "حسن" فقالت زوجته للممرضين المذهولين إن "حسن" هو العجوز عبد الله، ولأنه لم يخلف سوى بنات، مثل المريض حليم، يدعونه "أبو حسن"!
هذه واحدة، والثانية أن صديقي الفلسطيني المسيحي د. عبد الله لاما، عضو الجبهة الشعبية، والمتزوج من جانيت المارونية من دير القمر (معقل كميل شمعون وميليشيا "النمور الأحرار") كانوا ينادونه مرحّبين في "دير القمر" إبّان عزّ الحرب الأهلية "أبو حسن" لأنه عبد الله، ولكن دون أن يدروا أن "حسن" الفلسطيني كان معه في السيارة، خلال زيارته لقرية زوجته، من الفلسطيني الأحمق الذي يزور معقل وعرين الخصم؟
هاتان توطئتان شخصيتان تشكلان خلفية عمودي بالأمس، عن الترحيب بزيارة البطريرك الماروني للأرض المقدسة، بمعية بابا الكاثوليك فرنسيس.
هناك لبنانيون احتجوا على "التطبيع" وقراء فلسطينيون احتجوا على ما ورد في العمود، من "تطبيع" آخر لعلاقة فلسطينية ـ مارونية معقّدة وغنيّة جدّاً، حيث اصطدمت "طائفة" لبنانية، أو بالأحرى قيادتها السياسية والعسكرية، مع "شعب" فلسطيني وحلفائه (موارنة، دروز، سُنّة، شيعة.. عرب وأجانب.. إلخ).
كان للشاعر السوري ـ اللبناني نزار قباني قصيدة عن الخروج الفلسطيني العسكري من لبنان 1982 يقول فيها "الفلسطينيون هم آخر العرب"!
هل أقول إن المسيحيين العرب، وفي طليعتهم المثقفون والمفكرون الموارنة، كانوا آباء وطليعة الفكرة العروبية القومية والثقافية؟
خلال الحرب الأهلية اللبنانية (وكان عمادها صدام بين الموارنة والفلسطينيين وحلفائهم) كان هناك لبنانيون قالوا: في لبنان 16 طائفة (صاروا 18 كانت تقودها الطائفة المارونية) وشعب واحد هو الشعب الفلسطيني.
هل أصارحكم بما كان رأيي خلال مستهل الحرب الأهلية بين "طائفة" لبنانية و"شعب" فلسطيني وحلفائه؟ كان هؤلاء الحلفاء خليطا طائفيا وقوميا وأمميا يذكّر بالتحالف ضد الفاشية الإسبانية برئاسة الدكتاتور فرانكو ودعم من النازيين، وكان حزب فرانكو يدعى "الفالانج ـ الكتائب" ومنه اشتق بيار الجميل اسم حزب الكتائب اللبنانية، كما اشتق انطون سعادة فكرة واسم حزبه من "الحزب الوطني" الألماني أي النازي.
ما وجه الشبه بين طائفة مارونية وشعب فلسطيني؟ لهما مشارب وخلافات وعلاقات داخلية ديمقراطية. كيف؟ في غمرة صراع الطائفة المارونية (قيادتها السياسية والعسكرية) مع الفلسطينيين، كان هناك فيها "حروب أهلية" مع حلفاء ومنافسين من الميليشيات المسيحية المارونية، كما في "مجزرة الصفرا" ضد حلفائهم "النمور الأحرار ـ كميل شمعون ومصرع نجله داني قائدهم" أو ضد خصومهم موارنة الشمال المؤيدين لسورية من "لواء المردة" بقيادة الرئيس سليمان فرنجية، ومصرع نجله طوني.. وأخيراً، خلاف قائد الجيش، وقتذاك، ميشال عون مع قائد "القوات اللبنانية" د. سمير جعجع (الآن: الأول ضد سورية وحزب الله، والثاني حليفهما).
يكفي النظر إلى خلافات المرشحين الموارنة لرئاسة الجمهورية للتأكيد على أن هذه "الطائفة" تتصرف مثل "شعب" شأنها شأن "شعب" فلسطيني حارب الجميع وتحارب مع نفسه.. وفي الحالتين دخل معمودية الدم والنار ضد العدو وضد الشقيق.. ثم تفاوض معهما!
الموارنة، أقوى المسيحيين في لبنان، اتهموا، وهم آباء العروبة الفكرية والثقافية، أنهم "انعزاليون" وهم أهم طائفة عربية مسيحية مع أقباط مصر، والفلسطينيون متهمون بـ "القطرانية" وأيضاً "التطبيع"، رغم أنهم طليعة العروبية السياسية ـ النضالية ودرع الدفاع عن العروبة في وجه إسرائيل، علماً أن ميشال شيحا المفكر اللبناني الماروني كان يرى في لبنان، بعد إقامة إسرائيل، كما لو أنه النموذج التعددي المضاد للنموذج العنصري اليهودي ـ الإسرائيلي.. والآن: فلسطين في مواجهة إسرائيل!
الآن، موارنة لبنان في طليعة المؤيدين لدولة فلسطينية مستقلة لأسبابهم الخاصة.. ولذلك أهلاً وسهلاً ببطريرك الموارنة، وبتطبيع العلاقة بين "طائفة" و"شعب" يشتركان، رغم صراعهما السابق، في خلافات ديمقراطية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تطبيع نعم ولكن بين طائفة وشعب تطبيع نعم ولكن بين طائفة وشعب



GMT 15:32 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

سوريا.. التاريخ والسياسة

GMT 15:30 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

الفائزون فى 3 مباريات

GMT 09:30 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

ويْكَأن مجلس النواب لم يتغير قط!

GMT 08:32 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

الثلج بمعنى الدفء

GMT 08:29 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

فرنسا وسوريا... السذاجة والحذاقة

GMT 08:27 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

التكنوقراطي أحمد الشرع

GMT 08:25 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

جدل الأولويات السورية ودروس الانتقال السياسي

GMT 08:23 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

ليبيا: لا نهاية للنفق

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
  مصر اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي

GMT 10:34 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 23:00 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

البيت الأبيض يصف كتاب "بوب وودورد" بأنه "قصص ملفقة"

GMT 10:52 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

GMT 15:36 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon