حسن البطل
كيف يتحقق مطلب استعادة جثامين الشهداء؟ يتحقق بالتنسيق الأمني. كيف يتحقق هذا التنسيق؟ سيارتا إسعاف للهلال الأحمر ولجيش الاحتلال تقفان ظهراً إلى ظهر.
في قباطية التي تعرضت لحصار ودهم من قوات الاحتلال لثلاثة أيام، تحقق التنسيق الأمني على نحو آخر ببيانين من الارتباط الفلسطيني وناطقة بلسان الجيش عن انتهاء الحملة الانتقامية الإسرائيلية رداً على عملية باب العمود، لثلاثة شبان من قباطية.
هناك فلسطينيون يذمُّون التنسيق الأمني، بدعوى أنه يحدّ من انتشار «انتفاضة الأفراد» الحالية إلى انتفاضة عامة ثالثة.
بعد أربعة شهور من موجة انتفاضية ثالثة ضد الاحتلال (شعبية، مسلحة، وأفراد) يشير استطلاعا رأي، فلسطيني وإسرائيلي، إلى اتجاهات اعتدال سياسية للرأي العام لدى الشعبين.
على الجانب الفلسطيني، انخفض التأييد لانتفاضة ثالثة من 63% إلى 42%، وبما أن التنسيق الأمني واحد من أسباب خيار «حل السلطة» فإن الاستطلاع يفيد بأن 79% يعارضون هذا الخيار، مقابل 14% فقط، لم تكن الآراء هكذا مطلع تشرين الثاني المنصرم، عندما بدأت الثالثة.
على الجانب الإسرائيلي يؤيد 75% فكرة مؤتمر دولي ـ إقليمي موسّع، بينما يعارض الفكرة 25%، علماً أن الحكومة الإسرائيلية تميل لمعارضة الفكرة أو المماطلة فيها، ولو أن واشنطن انضمت إلى فكرة باريس لكان التأييد الشعبي الإسرائيلي لها أكبر من ذلك.
الأكثر دلالة وأهمية، أن 62% من الإسرائيليين ليسوا مع سياسة الحكومة المعلنة بقدس موحدة وكبيرة، حيث يوافق حتى مؤيدو اليمين بنسبة 57% على تسليم السلطة قرى فلسطينية ملحقة بالقدس، وفصلها عن القدس المكبرة بجدران، وبذلك ستصير القدس ذات غالبية يهودية بنسبة 80%، أي بنسبة اليهود والفلسطينيين في إسرائيل!
بينما تتهم حكومة إسرائيل السلطة الفلسطينية بالتحريض على العنف، فإن 68% من الإسرائيليين يؤيدون تكثيف التنسيق الأمني معها، ومنهم 65% من اليمين المعتدل الإسرائيلي.
هناك أقلية فصائلية فلسطينية تطالب بإلغاء اوسلو، وكذلك هناك أقلية في الأحزاب اليمينية الإسرائيلية تطالب بذلك، أي بالضم الجزئي أو الكامل.
سنتذكر أن غالبية شعبية فلسطينية أيّدت «خط اوسلو» في البداية، رغم معارضة غالبية فصائلية لها. لكن، في الجانب الإسرائيلي الحزبي أقرت الكنيست هذه الاتفاقية بغالبية صوت واحد يهودي، وبأصوات النواب الفلسطينيين.
في الجانب الفلسطيني، وكذا الإسرائيلي، هناك من يأخذ على رئيس السلطة تناقضاً في وصفه إياها «سلطة بلا سلطة» ثم في قوله لاحقاً إن السلطة «إنجاز تاريخي» فلسطيني.
وفي الاستطلاع الأخير لرأي الفلسطينيين (أجراه معهد ارواد) أن 53% يتفقون مع الرئيس بأن السلطة لن تنهار.
التناقض ظاهري، لأن «سلطة بلا سلطة» وصف واقعي للحال، والسلطة «إنجاز تاريخي» يعبر عن إرادة سياسية للانتقال إلى دولة مستقلة.
هل تجد صورة إسرائيلية عن تناقض في الرأي العام بين تأييد فكرة «الحل بدولتين» وبين استبعاد تنفيذها السياسي في الواقع الحالي والمستقبل المنظور؟
إزاء هذا التناقض هناك غالبية في الرأي العام الإسرائيلي، ترى بأن التوصل إلى حل دائم سياسي بين كيانين، يسبقه انفصال ديمغرافي عن الفلسطينيين، أي الفصل بين الشعبين.
في محصلة استطلاعين أن الرأي العام الفلسطيني أقرب إلى تأييد سياسة السلطة وخياراتها، بينما الرأي العام الإسرائيلي أقرب إلى معارضة سياسة حكومته الحالية وخياراتها السياسية.
مع ذلك، يمكن فهم أسباب انتخاب معظم الفلسطينيين في العام 2006 لحركة «حماس» وأسباب انتخاب الإسرائيليين لحكومة الليكود، وهي باختصار عجز السلطة عن تحقيق الدولة والاستقلال، وعجز الحكومات الإسرائيلية السابقة عن تحقيق الأمن للإسرائيليين.
الآن، حسب الاستطلاع الفلسطيني، يطالب 80% بإجراء انتخابات فوراً، تشريعية ورئاسية (92% في غزة) وبينما انتخب الإسرائيليون، مرة ثالثة، حكومة برئاسة نتنياهو، لكن شعبيته وقدرته في توفير الأمن جاءت ثالثة ورابعة، دون أن يتأثر هذا باحتمال انتخابه مرّة أخرى تحت شعار «لا بديل لنتنياهو غير نتنياهو». لماذا؟
لأن أحزاب المعارضة الإسرائيلية لا تقدم خطة أو برنامجاً سياسياً لإنهاء المشكلة أو حلها، أو لأن قادة المعارضة غير كفؤين لمجابهة نتنياهو، ولا حتى من معسكره اليميني الأكثر اعتدالاً من سياسته.
مؤخراً، استيقظ زعيم حزب «العمل» و»المعسكر الصهيوني» اسحق هيرتسوغ، وطرح مشروعاً جزئياً للحل المرحلي، وهو استكمال مشروع شارون للانفصال الديمغرافي عن أكبر عدد من الفلسطينيين في القدس والضفة، وتشكلت حركة إسرائيلية، حزبية وبرلمانية وأمنية، تطالب بـ «إنقاذ القدس اليهودية» ديمغرافياً من الفلسطينيين.
واضح أن الفصل الديمغرافي هو عنصري إضافة لأسبابه الأمنية، لكن الديمغرافيا لا تنفصل عن الجغرافيا، وهذه عن السياسة، أي عن الحل بدولتين.