عماد الدين أديب
السيد المسيح
منذ أكثر من ألفى عام، قال السيد المسيح، عليه السلام: «تعرفون الحقيقة.. الحقيقة تحرركم».
ومنذ أن عُوقب سيدنا آدم، وتم إنزاله من الجنة إلى الأرض، كان مسعاه الأكبر هو البحث عن الحقيقة، وكان أهم سؤال يحيره هو لماذا ضعف وأكل من الشجرة المحرمة؟
ولا يوجد تعريف جامع مانع للحقيقة فى قواميس اللغة، لكن أبلغ تعريف لها هو شرحها من خلال المعنى المعاكس، أى أن تقول إن الحقيقة هى عكس الكذب.
من هنا يمكن القول إن الحقيقة المجرّدة هى ما يخلو تماماً من أى نوع من الكذب.
ومن يعود إلى نص القسم فى حلف اليمين فى المحاكم الأمريكية، سوف يجد صياغة مميزة وبارعة فى هذا المجال حينما ينص على أن يُقال: «أقسم بالله أن أقول الحقيقة، كل الحقيقة، ولا شىء غيرها».
فالحقيقة يجب ألا تكون منقوصة، أى كاملة، ولا يجب أن يضاف إليها أمور أخرى، قد لا تكون كذباً، لكنها تشوش عليها.
وأزمة النخبة السياسية فى عالمنا العربى ومصيبتها الكبرى هى أننا لا نقول الحقيقة أو كل الحقيقة، وأحياناً نقول أموراً غيرها.
وأسوأ أنواع الكذب هو الكذب على النفس، والاستمرار والإصرار على الكذب إلى حد الإيمان الكامل والتصديق الكلى للكذبة!
كذبنا وصدّقنا أن الطغاة الذين حكمونا لمدة نصف القرن على فهم «الزعيم القائد، والزعيم المؤمن، والزعيم الملهم، وبطل التحرير، وبطل الثورة، والمهيب الركن، وزعيم الأمة»، وجاءت النهايات لهؤلاء بالإعدام مثل صدام حسين، والاغتيال الوحشى مثل معمر القذافى، أو النفى أو السجن أو الإقصاء للآخرين.
ألم يكن استبدادهم وتصديقنا لهم كذبة؟
وحينما قررنا تغيير هذه الأنظمة من أجل بناء نظام جديد يقوم على العدل والإنصاف والمساواة واحترام إنسانية الإنسان وسمينا ذلك بالثورات، جاءت التغييرات إلى الأسوأ، وتم اختطاف حركة الجماهير الصادقة بواسطة قوى متخصصة فى الكذب والدجل على الشعوب.
وتظل الأسئلة الأبدية تطرح نفسها على عقول وقلوب وضمائر الباحثين عن الحقيقة لمعرفة هل هذا حاكم مستبد أم حاكم بطل؟ وهل هذا الفعل ثورة أم استبداد؟ وهل هذه التغيرات تؤدى إلى النهضة أم إلى الهاوية؟
باختصار، يظل الإنسان الحائر منذ عهود سقراط وأرسطو وأفلاطون، ومنذ عهود الأنبياء والرسل يسأل: أين الحقيقة؟
من هنا على الإنسان أن يتأمل حكمة السيد المسيح فى مقولته العبقرية: «الحقيقة تحرركم»، ولعلى أتجاوز وأقول «الحقيقة تحرر صاحبها، أما الكذب فإنه يجعله أسير الوهم»!