توقيت القاهرة المحلي 20:00:15 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«التاريخ فيه مؤامرات لكن ليس كله مؤامرة!»

  مصر اليوم -

«التاريخ فيه مؤامرات لكن ليس كله مؤامرة»

بقلم : عماد الدين أديب

أزمة الأزمات فى العقل السياسى العربى أنه يفسر كل شىء يخالف هواه ومصالحه على أنه «مؤامرة».تفسير المؤامرة، أو ما يعرف بالتفسير التآمرى للأحداث والتاريخ، مريح لأصحابه لأنه -بالدرجة الأولى- يعفى أصحابه من مسئولية ما يعملون ويلقى بها على كاهل الخصوم أو الأعداء أو الذين يختلفون معهم فى الرأى أو المصلحة.

أخطر ما فى اتباع نظرية التفسير التآمرى «أنك بهذا المفهوم لا تخطئ أبداً لأن «الآخر» هو المخطئ المتآمر الشرير».

وبهذا المفهوم لن يحدث أبداً أن تعترف بالخطأ، وبالتالى ينعدم أى أمل فى الإصلاح، لأن أولى خطوات إصلاح الخطأ هى الاعتراف به وتحديد مسئولية المخطئ.

بهذا المفهوم فإن غضب الناس ضد المظالم غير مفهوم، ورفض الناس للفساد غير مقبول، وثورة الجماهير فى الشوارع والساحات مؤامرة، وانتقاد أصحاب الإرادة الحرة والضمائر النقية للمظالم وعدم الإنصاف هو «قيام أقلام مأجورة بخدمة مشروعات خارجية شريرة».

بهذا المفهوم فإن المتظاهر السلمى عميل للخارج، والشباب الثائر يحصل على وجبات مجانية من جهات شريرة، ومنظمات المجتمع المدنى تقبض من السفارات.

هل هذا يعنى أن الجميع ملائكة ونبلاء وأطهار؟

بالقطع لا. دائماً وأبداً فى كل زمان ومكان، وفى كل التحولات الاجتماعية وحركات الاحتجاج والثورات هناك من يسعى جاهداً لاختراق الصفوف وسرقة الانتفاضة الشعبية واختطاف الثورات فى اتجاه مضاد.

وتدرس الجامعات المتخصصة فى العلوم السياسية ضمن مناهجها فى العلوم السياسية ما يعرف باسم «نظرية المؤامرة».

ووفقاً للعالم السياسى مايكل باركون فإن هذه النظرية تقوم على فرضيات أساسية هى:

أن الكون كله محكوم بتصميم ما لذلك لا يوجد أى فعل يقوم على الصدفة ولا شىء هو كما يبدو. وعليه فإن كل شىء مرتبط ببعضه البعض.

أخطر ما فى فلسفة نظرية المؤامرة أنها تصبح مسألة «إيمان» أصحابها بها وليست مسألة بحث عن «دليل يعتمد على حقائق وثوابت».

ويبقى دائماً -فى مثل هذه الحالات- السؤال الجوهرى الحاكم والحاسم: «هل ثارت الناس عن حق أم عن باطل؟ هل غضب الناس مشروع أو مفتعل؟ هل حركتهم تلقائية تعبر عن وجع وألم وشعور بالظلم؟

باختصار، هل احتجاجات الناس فى شوارع بغداد وبيروت والخرطوم والجزائر -فى بداياتها- كانت طبيعية تلقائية حقيقية؟

مثلها مثل كل حركات الاحتجاج الجماهيرى تسعى قوى محلية، دينية، قبلية، مناطقية، طائفية، حزبية، لاستغلال حركة الجماهير لصالحها.

هذا أمر طبيعى يحدث منذ بدء معرفة التاريخ الإنسانى الغضب الجماهيرى ضد السلطة.

يبقى الأهم دائماً مدى وعى الجماهير بحقيقة أهداف ثورتها، ودرجة مناعتها ضد الاختراق، وحصانتها ضد البيع أو الشراء من قبل قوى مشبوهة أو عملاء سفارات أجنبية.

عند حدوث أى انتفاضة جماهيرية فإنه من الطبيعى أن تحاول كل أجهزة الدول الكبرى والدول ذات المصلحة المباشرة فى الاختراق والتأثير بكل الطرق بهدف السيطرة وتحويل مسار حركة الجماهير لما يخدم مصالحها.

هذا أمر يحدث، وسوف يستمر فى الحدوث من فنزويلا إلى تشيلى إلى هونج كونج، ومن تونس إلى ليبيا، ومن سوريا إلى العراق، ومن السودان إلى لبنان.

إنها حركة مد وجزر، كر وفر، ثورة وثورة مضادة، سعى للاختراق ورفض كامل له، صراع بين قوى وطنية وقوى عميلة، بين من يسعى للتآمر وبين من يقاوم تلك المؤامرة.

مأساة السلطة فى كثير من دول العالم هى أنها فى معظم الأحيان تختار الحل الأسهل وهو تفسير غضب الجماهير على أنه مؤامرة خارجية.

الخطر الأكبر فى الإصرار على التفسير التآمرى لغضب الناس أنه يؤدى -فى هذه الحالة- إلى صدام محتوم بين قوى راغبة فى تغيير المظالم، وقوى حاكمة ترفض تماماً القبول أو الاعتراف بأى خطأ على أساس أن «الغضب» ليس مبرراً ولا يستند على حق لأنه مؤامرة!

التاريخ -بالتأكيد- ملىء بالمؤامرات والمتآمرين.

والتاريخ أيضاً -بالتأكيد- ليس كله مؤامرة من الغير تعفينا من تحمل مسئولية الأخطاء والخطايا!

وقد يهمك أيضًا:

إيران ترفض الثورات العربية!

محاولة لفهم سياسة الإمارات

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«التاريخ فيه مؤامرات لكن ليس كله مؤامرة» «التاريخ فيه مؤامرات لكن ليس كله مؤامرة»



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:59 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

تصريحات فيفي عبده تتصدر التريند
  مصر اليوم - تصريحات فيفي عبده تتصدر التريند

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 20:29 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

أنجلينا جولي تكشف عن شعورها تجاه عملها بعد رحيل والدتها

GMT 15:48 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

ليونيل ميسي يختار نجمه المفضل لجائزة الكرة الذهبية 2024

GMT 13:55 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

اتفاق رباعي علي خارطة طريق لإيصال الغاز إلي بيروت

GMT 06:11 2020 الخميس ,08 تشرين الأول / أكتوبر

الشكشوكة التونسية

GMT 19:44 2019 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل العثور على "سوبرمان هوليوود" ميتاً في صندوق

GMT 04:38 2019 الثلاثاء ,09 تموز / يوليو

تعرفي على 9 موديلات مميزة لتزيّني بها كاحلكِ

GMT 22:22 2019 الأربعاء ,27 شباط / فبراير

مستوى رمضان صبحي يثير غضب لاسارتي في الأهلي

GMT 04:46 2018 الخميس ,27 كانون الأول / ديسمبر

إليكِ أفكار سهلة التطبيق خاصة بديكورات المطابخ الحديثة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon