فى عالمنا العربى -للأسف الشديد- من قرر طواعية، بمحض إرادته، أن يسير عكس حركة الكون، وناموس الخلق، وتعاليم الخالق، والمبادئ السامية لخلاصة الفكر الإنسانى.
هناك -للأسف- ساسة ضد العقل والمنطق والتاريخ، وكأنهم لم يقرأوا كتاباً فى السياسة، وكأنهم لم يفهموا دروس التاريخ، وكأنهم لم يتعظوا من قصص القرآن وتعاليم الرسل والأنبياء.
بهذا المنطق تخصص هؤلاء فى «تجميد الأمر الواقع» ووضعه فى ثلاجة الجمود للمحافظة على مكاسبهم ولمنع أى تغيير أو تطور أو إصلاح بالقهر والتعسف والاستبداد.
هذا الجمود، وهذا التجميد، يؤدى حتماً إلى نشوء حالة قاتلة من «الفراغ السياسى».
الفراغ فعلياً، وعلمياً، وسياسياً، هو ذلك الوحش المفترس الذى يؤدى إلى سقوط الحضارات وتآكل الأنظمة.
هناك علم يشرح هذا الموضوع هو علم «السيبرنتيك»، وهو علم القيادة أو التحكم «كنترول» فى الأحياء والآلات ودراسة آليات التواصل.
ويعتمد هذا العلم على قاعدة أن «لا نظام حيوياً فى هذا الكون يعمل فى فراغ».
وبناء على ما سبق يمكن القول أن الفراغ مضاد لحيوية الكون أو الأفعال.
والتعريف العلمى للفراغ: «هو المكان أو الحيز الخالى من أى مادة»، وليس هناك -علمياً- ما يسمى بالفراغ الكامل حيث لم يستطع أحد إفراغ حيز ما من كل جزئيات الهواء.
السياسة أيضاً تكره الفراغ، وإذا لم تملؤه أنت ملأه غيرك.
والعرب يحصلون على الأوسكار فى سياسة صناعة الفراغ السياسى الذى يستفيد منه غيرهم.
تركنا العراق العروبى يتمكن منه النفوذ الإيرانى الفارسى.
أهملنا إيجاد حل حقيقى وواقعى للقضية الفلسطينية مما أنضج المشروع الاستيطانى الإسرائيلى.
تعارضت مواقفنا عقب مظاهرات درعا فى سوريا، فضاعت الشام بين نفوذ إيرانى، وجنون الإرهاب التكفيرى، والاحتلال العسكرى الروسى، والمطامع التاريخية التركية.
قصرنا التعامل مع القوى فى لبنان على مبدأ «الشراء السياسى» فظهر مشروع الدولة الوطنية تارة بالحرب الأهلية وتارة أخرى بالنهب المنظم للنخبة الحاكمة الفاسدة.
سياسة إخلاء المواقع، وترك الأمور للمجهول عملاً بمنطق دع السفينة تسيرها الريح كما تشاء، هى وصفة سحرية مؤكدة للفشل والإخفاق والضياع السياسى على مستوى التكتيك والاستراتيجية فى آن واحد.
تجنب المواجهة المباشرة هو هروب للأمام من الأخطار، وعدم المصارحة وإعلان البيانات البلاغية مطاطة المعانى حمالة الأوجه فى الرسائل السياسية هو تأجيل لكارثة حتمية.
سياسة «شراء الوقت» هى تصدير لأزمة حالية سوف تنفجر -لا محالة- فى وجهنا كى تصبح كارثة أكبر وأكبر.
لا تؤجل أزمة اليوم إلى الغد!
ولا تقل ما لا تفعل، ولا تفعل ما لا تقول!
هذا كله جعل منا أمهر من يجيد «فن صناعة الفراغ المدمر»!
والمسألة ليست معقدة بهذا الشكل، أو معضلة سياسية يستحيل التعامل معها، بل إن سياسة «المواجهة الإيجابية» للمشاكل لها «بوصلة» صريحة، ومقياس واضح يمكن على أساسه الحسم الفورى للمواقف والاتجاهات.
ببساطة وباختصار، يمكن لنا عند تعاملنا فى «تقدير الموقف» و«الحكم على الأمور» وبناء «الأهداف والسياسات» أن نسأل عشرة أسئلة حاكمة:
أولاً: هل نريد أن نحكم أم نتحكم؟ بمعنى أن نخدم الوطن أم نخدم مصالحنا؟
ثانياً: هل نريد النزاهة والشفافية أم الاستبداد للحكم بالفساد؟
ثالثاً: هل هو حكم قائم على إطلاق حرية التعبير أم لتكميم الأفواه؟
رابعاً: هل هو نظام يقوم على تداول السلطة أم احتكارها إلى الأبد؟
خامساً: هل هو نظام يقوم على التعقل للدفاع عن المصالح الوطنية المشروعة أم نظام أحمق هيستيرى يسعى للتخريب والتآمر؟
سادساً: هل هو نظام يحترم القوانين الدولية والمواثيق والوجود والحدود أم هو نظام شرير يسعى للتدخل الشرير بهدف الفوضى والتخريب؟
سابعاً: هل هو نظام يؤمن قولاً وفعلاً بالدولة المدنية القانونية الدستورية أم نظام شبه دولة يعتمد على ميليشيات التكفير والطائفية والمذهبية؟
ثامناً: هل هو نظام اعتدال أم تطرف، وسطية أم إرهاب تكفيرى، عقل أم جنون؟
تاسعاً: هل هو نظام اقتصاد حر يعتمد على آليات السوق القائمة على المنافسة الشريفة والعدل والإنصاف أم نظام اقتصاد موجه يرعى مصالح نخبة فاسدة تتعايش على نهب المال العام؟
عاشراً: باختصار: هل نريدها كوريا الشمالية أم كوريا الجنوبية؟
هل نريدها السعودية أم إيران؟ هل نريدها سويسرا أم فنزويلا؟
إذا حسمنا الاختيارات بشكل واضح ونهائى علينا أن نعرف وأن نواجه بشكل شجاع وعلمى جنون وفساد وشرور أعدائنا.