بعض سكان المدن العربية يفهمون قرارات الحكومات الخاصة بالتباعد الاجتماعى بشكل خاطئ تماماً!
قرارات الحظر، هى إجراءات حمائية تفرضها السلطة الإدارية العليا فى البلاد بموجب قرارات طوارئ، أو نصوص دستورية تعطى الحكومات الحق الكامل فى فرض إجراءات استثنائية لحماية البلاد والعباد جراء تلك الظروف الطارئة.
وعرفت الدول على مر التاريخ هذه الظروف الاستثنائية مثل تقلبات الطبيعة (الزلازل - البراكين - السيول - العواصف المدمرة)، وأيضاً مثل الأوبئة الجائحة.
وما يمر به العالم منذ شهر نوفمبر الماضى هو جائحة عالمية تهدد البشرية جمعاء، لوباء فيروسى أصيب به قرابة الـ3 ملايين، وتوفى بسببه قرابة نصف المليون بشكل مباشر أو غير مباشر، وأدى إلى بقاء أكثر من ثلثى سكان الكرة الأرضية -لأول مرة- مجتمعين فى منازلهم.
هذا الوباء، الخارج عن السيطرة، الذى لم يتم بعد اختراع لقاح له، أو اعتماد نهائى لعلاج أكيد له، يحتاج أكثر مما يحتاج إلى الالتزام الصارم بتعليمات التباعد الاجتماعى والعزل الطوعى للمجتمع، حيث يتم منع انتشار ضرر الوباء وحصاره فى أضيق مكان.
هذه المرة، الإجراءات المفروضة ليست بسبب رغبة من الدولة أو تعبير عن هوى نظام سياسى، لكنها إجراءات فرضها وباء!
بعد هذه المقدمة المملة، المكررة، الطويلة، التى سمعتموها وشاهتموها وقرأتموها مئات المرات -مؤخراً- نقولها للمرة المليون؛ إذاً الإجراءات الاحترازية هى إجراءات جادة للغاية، صدرت فى زمن الضرورة القصوى، وبالتالى هى أمور لا بد من الانضباط والالتزام الصارم بها.
باختصار أيها الأعزاء، نحن لسنا فى «ويك إند»، أو فى إجازة مدفوعة كلياً أو جزئياً من الدولة أو من صاحب العمل!
باختصار أيها الأعزاء، نحن فى عزل اجتماعى طوعى، أو عزل طبى إجبارى؛ لإيقاف تحول وباء فيروسى من وباء خطر إلى كارثة طاعون خارج السيطرة يقتل ويفتك الأخضر واليابس!
نحن لسنا فى زمن علينا أن نفكر فى كيفية استثماره سياحياً وكأنه إجازة نصف السنة فنسعى إلى زيارة المنتجعات أو المصايف أو تمضية «ويك إند» خارج العواصم.
نحن لسنا فى رفاهية الشكوى المرة من خلو محلات السوبر ماركت الكبرى من أنواع الأغذية والعصائر والمعلبات المستوردة الفاخرة!
هنا تصبح المعادلة الصريحة، والاختيار الواضح، هل تريد أن تستمتع بحياتك الاجتماعية، أم تفضل أن تعيش وتبقى على قيد الحياة؟!
نحن فى زمن الأزمة، فى زمن الطوارئ، فى زمن الوباء، ولسنا فى زمن ترتيب النزهة أو الوليمة أو الاستمتاع بالأشياء.
هذا زمن يستدعى الانضباط، والصرامة والخشونة مع النفس، ومع تطبيق قواعد الأزمة.
ومهما كنت مهذباً، فإن العقل والمنطق، والشرع، والقانون فى العالم كله تفرض قاعدة جوهرية أنه فى مثل هذه الظروف الطارئة يتم تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، ومصلحة المجتمع على مصلحة الفرد، ودفع الضرر يُقدم على جلب المنافع.
من هنا تصبح سلامة المجتمع أهم من استمتاع البعض به!
بهذه المفاهيم يصبح التذمر فى ظل هذه الظروف خروجاً على المجتمع، والتمرد الاجتماعى على الإجراءات تهديداً صريحاً لأمن وسلامة المجتمع.
فى مثل هذه الحالات يصبح التطبيق الصارم للقانون، دون استثناء، ودون مجاملة، هو قمة الرحمة، وخدمة عظمى للبلاد والعباد، وبالتالى يصبح التراضى فى التطبيق هو مشاركة فى جريمة تحول الانتشار الوبائى إلى كارثة خارج السيطرة.
أزمتنا الكبرى أننا اجتماعياً نتصرف أحياناً بحماقة المراهقين الذين يسعون بصبيانية إلى خرق قوانين المدرسة، ويعشقون بشدة القفز من على أسوارها ومغافلة الحارس، والشعور بالنشوة المفرطة حينما نشعر بأننا «ضحكنا على القانون، وضربنا النظام، وخدعنا الإجراءات»! هنا نسأل: لماذا نعشق الانفلات الاجتماعى ونستمتع بخرق القواعد والنظام؟
شىء مخيف يحتاج لدراسة نفسية متعمقة.