عادة فى الصراعات هناك قوى خيّرة وأخرى شريرة!
لكن كل القوى فى الصراع السورى -جميعها- بلا استثناء شريرة، على يدها دماء، وكلها مسئولة عن الكارثة الإنسانية المجتمعية التى أصابت الشعب السورى المبتلى!
عادة، يعانى شعب من حاكم مستبد، هذا يحدث وحدث فى التاريخ.
وعادة، يعانى شعب من احتلال أراضيه، هذا يحدث وحدث فى التاريخ.
ولكن أن يعانى شعب من حاكم مستبد وظالم وعلى يده دماء، ويعانى فى ذات الوقت من قوى احتلال خارجى قررت أن تمارس صراعاتها الدموية على أشلاء جثته وعلى دمار حوائط منازله، وعلى حساب صورته الدولية المتعارف عليها منذ بدء التاريخ، فإن هذه حالة نادرة لم تتكرر إلا فى «هتلر»، المستبد بألمانيا وتقاسم الاستعمارين التركى والغربى لأراضيها، وحالة «صدام» المستبد واحتلال الأمريكان والإيرانيين والأتراك لأراضى العراق.
وما تم فى اجتماع الرئيس بوتين والرئيس أردوغان مؤخراً ليس اجتماعاً بين القوتين الضامنتين لتخفيض التوتر فى شمال شرق سوريا كما يحبون أن يطلقوا عليه، لكنه اجتماع بين شريكى جريمة، فأصبح الصراع فى سوريا على حساب الشعب السورى المبتلى.
نعم، الشعب السورى مبتلى:
1 - مبتلى بنظام حكم إقليمى دموى متسلط خارج التاريخ يحكم بالحديد والنار منذ نصف قرن.
2 - ومبتلى بجيش إيرانى طائفى مذهبى يريد أن يجعل من سوريا قاعدة إقليمية لتنفيذ مشروع ولاية الفقيه فى المنطقة كلها.
3- ومبتلى من الجيش الروسى، الذى يحلم تاريخياً بموطئ قدم بحرى على المياه الدافئة فى البحر المتوسط، لعمل قواعد عسكرية ثابتة للسيطرة على نفط سوريا المخزون، واحتياطى الغاز المؤكد قبالة السواحل السورية واللبنانية، والحصول على نصيب الأسد فى إعادة إعمار سوريا.
4- ومبتلى بعدو إسرائيلى يتحكم فى حركة المجال الجوى لأى طيران فوق سوريا ويعربد بعمليات نوعية فوق الجولان وكافة الأراضى والمواقع السورية.
5- ومبتلى بـ12 نقطة استخبارات عسكرية تقوم بدعم بعض قوى المعارضة والقوى الكردية بهدف المساعدة على مشروع تقسيم سوريا صاحبة أقدم عاصمة عرفها التاريخ.
6 - ويُبتلى الشعب السورى الصبور بعالم عربى قرر أن يمارس صراعاته الثنائية على مسرح ساحة قتال المدن والقرى السورية المأهولة بالسكان المدنيين، ويُبتلى الشعب السورى الصبور بـ88 ميليشيا من ميليشيات الإرهاب التكفيرى المتناحرة الممولة بالمليارات التى عذبت المواطنين الترك.
جميعهم: النظام المستبد، الروس، الأمريكان، الإيرانيون، الأتراك، الميليشيات، العرب تسببوا فى نزوح 15 مليون سورى يعيشون فى أسوأ أوضاع لا تقبلها الإنسانية وتسببت فى قتل أكثر من مليونى إنسان وجرح 7 ملايين، وخسارة مبان ومصالح تزيد على ربع تريليون دولار بأسعار اليوم؟
الجميع أياديهم ملوثة بالدماء، لكن المسئولية الأولى تبدأ من الإجابة عن سؤال: ماذا كان يمكن أن يحدث لو استجاب النظام الحاكم لثورة الناس السلمية عندما بدأت لأول مرة فى درعا؟ كانت حركة احتجاج سلمية، بريئة، محقة، مطلبية بلا تزيّد.
كانت الكلفة الإنسانية، والمادية تقريباً لا شىء إذا قورنت بالفاتورة الخرافية التى يستحيل إحصاؤها ورصد خسائرها اليوم.
استخدم الحاكم الجيش ضد الشعب، واستخدمت المعارضة الميليشيات ضد الشعب، واستخدم الروس والأتراك والإيرانيون الشعب ضد الشعب.
سوريا دولة مركزية فى العالم العربى، دولة تاريخ، وموقع جغرافى استراتيجى فى غرب آسيا، تحدها شمالاً تركيا، وشرقاً العراق، وجنوباً الأردن، وغرباً فلسطين ولبنان والبحر المتوسط بمساحة 185180 كيلومتراً مربعاً.
ومنذ الحضارة الآشورية القديمة، وهناك فهم استراتيجى أن من يسيطر على سوريا يسيطر على دول الهلال الخصيب وقلب الشرق الأوسط.
هذه الـ«سوريا» التاريخية المؤثرة، أصبح جيشها جيشاً للنظام وليس جيشاً للشعب. وأصبحت قطاعات من الشعب جزءاً من ميليشيات، وتم احتلالها بجيوش 5 دول، وتحولت إلى ثكنة عسكرية لمرتزقة الإرهاب التكفيرى، ودخلت مليارات من الدولارات، وأطنان من الأسلحة لإشعال الفتنة وتدمير كيان الدولة وتشريد الشعب وتقسيم البلاد وتجويع وتدمير العباد.
وحينما يقال لك إن اجتماع «أردوغان» و«بوتين» الأخير الذى استمر 3 ساعات فى لقاء منفرد و4 ساعات فى لقاء صياغة القضية بين الوفدين، فلا تصدق أنه سوف يعيد السلام للشعب السورى.
إنه اجتماع بين طرف (الروسى) يريد احتلال كل سوريا، وبين طرف آخر (التركى) يريد ضم شمال شرق سوريا للإمبراطورية العثمانية.
كلاهما يخدع الآخر، ويخدع العالم، كما خدعاه وفعلا ذلك بلقاءى «أستانة» و«سوتشى» اللذين ضُرب بهما عرض الحائط من قبل جيوشهما.
سوريا هى أرض القتلى بواسطة نظام قاتل استعان بأنظمة قاتلة تحارب قوى قاتلة بواسطة ميليشيات مرتزقة قاتلة.